التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَٱلۡبُدۡنَ جَعَلۡنَٰهَا لَكُم مِّن شَعَـٰٓئِرِ ٱللَّهِ لَكُمۡ فِيهَا خَيۡرٞۖ فَٱذۡكُرُواْ ٱسۡمَ ٱللَّهِ عَلَيۡهَا صَوَآفَّۖ فَإِذَا وَجَبَتۡ جُنُوبُهَا فَكُلُواْ مِنۡهَا وَأَطۡعِمُواْ ٱلۡقَانِعَ وَٱلۡمُعۡتَرَّۚ كَذَٰلِكَ سَخَّرۡنَٰهَا لَكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (36)

ثم أكد سبحانه - ما سبق الحديث عنه من وجوب ذكر اسمه - تعالى - عند الذبح ، ومن وجوب شكره على نعمه فقال : { والبدن جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِّن شَعَائِرِ الله } .

والبدن : جمع بدنة . وهى الإبل خاصة التى تهدى إلى البيت الحرام للتقرب بها إلى الله - تعالى - وقيل : البدن تطلق على الإبل والبقر .

وسميت بهذا الإسم لبدانتها وضخامتها . يقال : بدن الرجل - بوزن كرم - إذا كثر لحمه ، وضخم جسمه .

أى : وشرعنا لكم - أيها المؤمنون - التقرب إلينا بالإبل البدينة السمينة وجعلنا ذلك شعيرة من شعائر ديننا ، وعلامة من العلامات الدالة على قوة إيمان من ينفذ هذه الشعيرة بتواضع وإخلاص .

وقوله - تعالى - { لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ } جملة مستأنفة مقررة لما قبلها . أى : لكم فيه خير فى الدنيا عن طريق الانتفاع بألبانها ووبرها . . . ولكم فيها خير فى الآخرة عن طريق الثواب الجزيل الذى تنالونه من خالقكم بسبب استجابتكم لما ارشدكم إليه .

وقوله - تعالى - : { فاذكروا اسم الله عَلَيْهَا صَوَآفَّ } إرشاد لما يقوله الذابح عند ذبحها .

وصواف : جمع اصفة . أى : قائمات قد صففن أيديهن وأرجلهن استعدادا للذبخح ! .

أى : إذا ما هيأتم هذه الإبل للذبح ، فاذكروا اسم الله عليها ، بأن تقولوا عند نحرها : بسم الله والله أكبر ، الله منك وإليك .

وقوله - سحبانه - : { فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ القانع والمعتر } بيان لما ينبغى عليهم فعله بعد ذبحها .

ووجبت بمعنى سقطت : وهو كناية عن موتها . يقال : وجب الجدار إذا سقط ، ووجبت الشمس إذا غابت .

والقانع : هو الراضى بما قدره الله - تعالى - له ، فلا يتعرض لسؤال الناس مأخوذ من قنع يقنع - كرضى يرضى - وزنا ومعنى .

والمعتر : هو الذى يسأل غيره ليعطيه . يقال : فلان يعترى الأغنياء ، أى : يذهب إليهم طالبا عطاءهم .

وقيل : القانع هو الطامع الذى يسأل غيره ، والمعتر : هو الذى يتعرض للعطاء من غير سؤال وطلب .

أى : فإذا ما سقطت جنوب هذه الإبل على الأرض ، وأعددتموها للأكل فكلوا منها ، وأطعموا الفقير القانع الذى لا يسألكم ، والفقير المعتر الذى يتعرض لكم بالسؤال والطلب .

ثم بين - سبحانه - مظاهر فضله عليهم ، حيث ذلل هذه الأنعام لهم فقال : { كذلك سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } .

وقوله { كذلك } نعت لمصدر محذوف . أى : مثل ذلك التسخير البديع سخرنا لكم هذه الأنعام ، وذللناها لكم ، وجعلناها منقادة لأمركم ، لعلكم بعد أن شاهدتم هذه النعم ، وانتفعتم بها ، تكونون من الشاكرين لنا ، والمستجيبين لتوجيهاتنا وإرشادنا .

قال صاحب الكشاف : منَّ الله على عباده واستحمد إليهم ، بأن سخر لهم البدن مثل التسخير الذى رأوا وعلموا . يأخذونها منقادة للأخذ طيعة ، فيعقلونها ويحبسونها صافة قوائمها ، ثم يطعنون فى لبانها . ولولا تسخير الله لم تطعن ، ولم تكن بأعجز من بعض الوحوش التى هى أصغر منها جرما ، وأقل قوة ، وكفى بما يتأبد من الإبل شاهدا على ذلك .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَٱلۡبُدۡنَ جَعَلۡنَٰهَا لَكُم مِّن شَعَـٰٓئِرِ ٱللَّهِ لَكُمۡ فِيهَا خَيۡرٞۖ فَٱذۡكُرُواْ ٱسۡمَ ٱللَّهِ عَلَيۡهَا صَوَآفَّۖ فَإِذَا وَجَبَتۡ جُنُوبُهَا فَكُلُواْ مِنۡهَا وَأَطۡعِمُواْ ٱلۡقَانِعَ وَٱلۡمُعۡتَرَّۚ كَذَٰلِكَ سَخَّرۡنَٰهَا لَكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (36)

{ والبدن } جمع بدنه كخشب وخشبة ، وأصله الضم وقد قرئ به وإنما سميت بها الإبل لعظم بدنها مأخوذة من بدن بدانة ، ولا يلزم من مشاركة البقرة لها في أجزائها عن سبعة بقوله عليه الصلاة السلام " البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة " تناول اسم البدنة لها شرعا . بل الحديث يمنع ذلك وانتصابه بفعل يفسره . { جعلناها لكم } ومن رفعه جعله مبتدأ . { من شعائر الله } من أعلام دينه التي شرعها الله تعالى . { لكم فيها خير } منافع دينية وذنيوية . { فاذكروا اسم الله عليها } بأن تقولوا عند ذبحها الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر اللهم منك وإليك . { صواف } قائمات قد صففن أيديهن وأرجلهن ، وقرئ " صوافن " من صفن الفرس إذا قام على ثلاث . وعلى طرف حافر الرابعة لأن البدنة تعقل إحدى يديها فتقوم على ثلاث ، وقرئ " صوافنا " بإبدال التنوين منحرف الإطلاق عند الوقف و " صوافي " أي خوالص لوجه الله ، و " صوافي " بسكون الياء على لغة من يسكن الياء مطلقا كقولهم : أعط القوس باريها . { فإذا وجبت جنوبها } سقطت على الأرض وهو كناية عن الموت . { فكلوا منها وأطعموا القانع } الراضي بما عنده وبما يعطى من غير مسألة ويؤيده قراءة " القنع " أو السائل من قنعت إليه قنوعا إذا خضعت له في السؤال . { والمعتر } والمعترض بالسؤال ، وقرىء " والمعتري " يقال عره وعراه واعتره واعتراه . { كذلك } مثل ما وصفنا من نحرها قياما . { سخرناها لكم } مع عظامها وقوتها حتى تأخذوها منقادة فتعقلوها وتحبسوها صافة قوائمها ثم تطعنون في لباتها . { لعلكم تشكرون } إنعامنا عليكم بالتقرب والإخلاص .