التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{۞إِنَّ قَٰرُونَ كَانَ مِن قَوۡمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيۡهِمۡۖ وَءَاتَيۡنَٰهُ مِنَ ٱلۡكُنُوزِ مَآ إِنَّ مَفَاتِحَهُۥ لَتَنُوٓأُ بِٱلۡعُصۡبَةِ أُوْلِي ٱلۡقُوَّةِ إِذۡ قَالَ لَهُۥ قَوۡمُهُۥ لَا تَفۡرَحۡۖ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلۡفَرِحِينَ} (76)

وبعد هذا البيان المتنوع عن دعاوى المشركين والرد عليها ، وعن أحوالهم يوم القيامة ، وعن أحوالهم المؤمنين الصادقين . . . بعد كل ذلك ، ختم - سبحانه - قصة موسى - عليه السلام - التى جاء الحديث عنها فى كثير من آيات هذه السورة - ختمها بقصة قارون الذى كان من قوم موسى - عليه السلام - فقال - تعالى - : { إِنَّ قَارُونَ . . . } .

قال القرطبى : قوله - تعالى - { إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ موسى } لما قال - تعالى - : { وَمَآ أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الحياة الدنيا وَزِينَتُهَا } بين أن قارون أوتيها واغتر بها . ولم تعصمه من عذاب الله ، كما لم تعصم فرعون ولستم - أيها المشركون - بأكثر عددا ومالا من قارون وفرعون ، فلم ينفع فرعون جنوده وأمواله ، ولم ينفع قارون قرابته من موسى ولا كنوزه .

قال النخعى وقتادة وغيرهما : كان قارون ابن عم موسى . . . وقيل كان ابن خالته . .

وقوله { فبغى عَلَيْهِمْ } من البغى وهو مجاوزة الحد فى كل شىء . يقال : بغى فلان على غيره بغيا ، إذا ظلمه واعتدى عليه . وأصله من بغى الجرح ، إذا ترامى إليه الفساد .

والمعنى : إن قارون كان من قوم موسى ، أى : من بنى إسرائيل الذين أرسل إليهم موسى كما أرسل إلى فرعون وقومه .

{ فبغى عَلَيْهِمْ } أى : فتطاول عليهم ، وتجاوز الحدود فى ظلمهم وفى الاعتداء عليهم .

ولم يحدد القرآن كيفية بغيه أو الأشياء التى بغى عليهم فيها ، للإشارة إلى أن بغيه قد شمل كل ما من شأنه أن يسمى بغيا من أقوال أو أفعال .

وقوله - تعالى - : { وَآتَيْنَاهُ مِنَ الكنوز مَآ إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بالعصبة أُوْلِي القوة } بيان لما أعطى الله - تعالى - لقارون من نعم .

والكنوز : جمع كنزل وهو المال الكثير المدخر ، و { مَآ } موصولة . وهى المفعول الثانى لآتينا .

وصلتها { إِنَّ } وما فى حيزها . وقوله : { مَفَاتِحَهُ } جمع مفتح - بكسر الميم وفتح التاء - وهو الآلة التى يفتح بها - أو جمع مفتح - بفتح الميم والتاء - بمعنى الخزائن التى تجمع فيها الأموال .

وهو - أى لفظ مفاتحه - اسم إن ، والخبر : { لَتَنُوءُ بالعصبة أُوْلِي القوة } .

وقوله { لَتَنُوءُ } . أى لتعجز أو لتثقل . يقال : ناء فلان بحمل هذا الشىء ، إذا أثقله حمله وأتعبه : والباء فى قوله { بالعصبة } للتعدية والعصبة : الجماعة من الناس من غير تعيين بعدد معين ، سموا بذلك لأنهم يتعصب بعضهم لبعض ومنهم من خصها فى العرف ، بالعشرة إلى الأربعين .

والمعنى : وآتينا قارون - بقدرتنا وفضلنا - من الأموال الكثيرة ، ما يثقل حمل مفاتح خزائنها ، العصبة من الرجال الأقوياء ، بحيث تجعلهم شبه عاجزين عن حملها .

قال صاحب الكشاف : وقد بولغ فى ذكر ذلك - أى فى كثرة أمواله - بلفظ الكنوز ، والمفاتح ، والنوء ، والعصبة ، وأولى القوة .

والمراد بالفرح فى قوله - سبحانه - : { إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لاَ تَفْرَحْ } : البطر والأشر والتفاخر على الناس ، والاستخفاف بهم واستعمال نعم الله - تعالى - فى السيئات والمعاصى .

وجملة : { إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ الفرحين } تعليل للنهى عن الفرح المذموم .

أى : لقد أعطى الله - تعالى - قارون نعما عظيمة ، فلم يشكر الله عليها ، بل طغى وبغى ، فقال له العقلاء من قومه : لا تفرح بهذا المال الذى بين يديك فرح البطر الفخور ، المستعمل لنعم الله فى الفسوق والمعاصى ، فإن الله - تعالى - لا يحب من كان كذلك .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{۞إِنَّ قَٰرُونَ كَانَ مِن قَوۡمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيۡهِمۡۖ وَءَاتَيۡنَٰهُ مِنَ ٱلۡكُنُوزِ مَآ إِنَّ مَفَاتِحَهُۥ لَتَنُوٓأُ بِٱلۡعُصۡبَةِ أُوْلِي ٱلۡقُوَّةِ إِذۡ قَالَ لَهُۥ قَوۡمُهُۥ لَا تَفۡرَحۡۖ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلۡفَرِحِينَ} (76)

قال الأعمش ، عن المِنْهَال بن عمرو ، عن سعيد بن جُبَيْر ، عن ابن عباس قال : { إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى } ، قال : كان ابن عمه . وهكذا قال إبراهيم النَّخَعي ، وعبد الله بن الحارث بن نوفل ، وسماك بن حرب ، وقتادة ، ومالك بن دينار ، وابن جُرَيْج ، وغيرهم : أنه كان ابن عم موسى ، عليه السلام{[22402]} .

قال ابن جُرَيْج : هو قارون بن يصهر بن قاهث ، وموسى بن عمران بن قاهث .

وزعم محمد بن إسحاق بن يَسَار : أن قارون كان عمَّ موسى{[22403]} ، عليه السلام .

قال ابن جرير : وأكثر أهل العلم على أنه كان ابن عمه ، والله أعلم . وقال قتادة بن دِعَامة : كنا نُحدّث أنه كان ابن عم موسى ، وكان يسمى المنوّر لحسن صوته بالتوراة ، ولكن عدو الله نافق كما نافق السامري ، فأهلكه البغي لكثرة ماله .

وقال شَهْر بن حَوْشَب : زاد في ثيابه شبرًا طولا ترفعًا على قومه .

وقوله : { وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ } أي : [ من ]{[22404]} الأموال { مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ } أي : لَيُثقلُ حملُها الفئامَ من الناس لكثرتها .

قال الأعمش ، عن خَيْثَمَةَ : كانت مفاتيح كنوز قارون من جلود ، كل مفتاح مثل الأصبع ، كل مفتاح على خزانة على حدته ، فإذا ركب حُملت على ستين بغلا أغر محجلا . وقيل : غير ذلك ، والله أعلم .

وقوله : { إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ } أي : وعظه فيما هو فيه صالح قومه ، فقالوا على سبيل النصح والإرشاد : لا تفرح بما أنت فيه ، يعنون : لا تبطر بما أنت فيه من الأموال{[22405]} { إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ } قال ابن عباس : يعني المرحين . وقال مجاهد : يعني الأشرين البطرين ، الذين لا يشكرون الله على ما أعطاهم .


[22402]:- في ت : "صلى الله عليه وسلم".
[22403]:- في ف ، أ : "موسى بن عمران".
[22404]:- زيادة من ت.
[22405]:- في ت ، ف ، أ : "المال".