الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{وَقُلِ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكُمۡۖ فَمَن شَآءَ فَلۡيُؤۡمِن وَمَن شَآءَ فَلۡيَكۡفُرۡۚ إِنَّآ أَعۡتَدۡنَا لِلظَّـٰلِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمۡ سُرَادِقُهَاۚ وَإِن يَسۡتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ بِمَآءٖ كَٱلۡمُهۡلِ يَشۡوِي ٱلۡوُجُوهَۚ بِئۡسَ ٱلشَّرَابُ وَسَآءَتۡ مُرۡتَفَقًا} (29)

{ وَقُلِ الحق مِن رَّبّكُمْ } الحق خبر مبتدأ محذوف . والمعنى : جاء الحق وزاحت العلل فلم يبق إلا اختياركم لأنفسكم ما شئتم من الأخذ في طريق النجاة أو في طريق الهلاك . وجيء بلفظ الأمر والتخيير ، لأنه لما مكن من اختيار أيهما شاء ، فكأنه مخير مأمور بأن يتخير ما شاء من النجدين . شبه ما يحيط بهم من النار بالسرادق ، وهو الحجرة التي تكون حول الفسطاط وبيت مسردق : ذو سرادق وقيل : هو دخان يحيط بالكفار قبل دخولهم النار . وقيل : حائط من نار يطيف بهم { يُغَاثُواْ بِمَاء كالمهل } كقوله :

. . . . . . فَأَعْتَبُوا بِالصَّيْلَمِ***

وفيه تهكم . والمهل : ما أذيب من جواهر الأرض . وقيل : درديّ الزيت { يَشْوِى الوجوه } إذا قدم ليشرب انشوى الوجه من حرارته . عن النبي صلى الله عليه وسلم : « هو كعكر الزيت ، فإذا قرب إليه سقطت فروة وجهه » { بِئْسَ الشراب } ذلك { وَسَاءتْ } النار { مُرْتَفَقًا } متكأ من المرفق ، وهذا لمشاكلة قوله { وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً } [ الكهف : 31 ] وإلا فلا ارتفاق لأهل النار ولا اتكاء ، إلا أن يكون من قوله :

إنِّي أرِقْتُ فَبِتُّ اللَّيْلَ مُرْتَفِقا *** كَأَنَّ عَيْنِي فِيهَا الصَّابُ مَذبُوح