الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{كُنتُمۡ خَيۡرَ أُمَّةٍ أُخۡرِجَتۡ لِلنَّاسِ تَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَتَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَتُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِۗ وَلَوۡ ءَامَنَ أَهۡلُ ٱلۡكِتَٰبِ لَكَانَ خَيۡرٗا لَّهُمۚ مِّنۡهُمُ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَأَكۡثَرُهُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ} (110)

«كان » عبارة عن وجود الشيء في زمان ماض على سبيل الإبهام ، وليس فيه دليل على سابق عدم ولا على انقطاع طارئ ، ومنه قوله تعالى : { وَكَانَ الله غَفُوراً رَّحِيماً } [ النساء : 96 ] ومنه قوله تعالى : { كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ } كأنه قيل : وجدتم خير أمّة ، وقيل : كنتم في علم الله خير أمّة . وقيل : كنتم في الأمم قبلكم مذكورين بأنكم خير أمّة ، موصوفين به { أُخْرِجَتْ } أظهرت ، وقوله : { تَأْمُرُونَ } كلام مستأنف بين به كونهم خير أمّة ، كما تقول زيد كريم يطعم الناس ويكسوهم ويقوم بما يصلحهم { وَتُؤْمِنُونَ بالله } جعل الإيمان بكل ما يجب الإيمان به إيماناً بالله ، لأنّ من آمن ببعض ما يجب الإيمان به من رسول أو كتاب أو بعث أو حساب أو عقاب أو ثواب أو غير ذلك لم يعتد بإيمانه ، فكأنه غير مؤمن بالله { وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذلك سَبِيلاً أُوْلَئِكَ هُمُ الكافرون حَقّاً } [ النساء : 150 ] والدليل عليه قوله تعالى : { وَلَوْ ءامَنَ أَهْلُ الكتاب } مع إيمانهم بالله { لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ } لكان الإيمان خيراً لهم مما هم عليه ، لأنهم إنما آثروا دينهم على دين الإسلام حباً للرياسة واستتباع العوام ، ولو آمنوا لكان لهم من الرياسة والأتباع وحظوظ الدنيا ما هو خير مما آثروا دين الباطل لأجله ، مع الفوز بما وعدوه على الإيمان من إيتاء الأجر مرتين { مّنْهُمُ المؤمنون } كعبد الله بن سلام وأصحابه { وَأَكْثَرُهُمُ الفاسقون } المتمرّدون في الكفر .