{ كنتم } وجدتم وخلقتم{ أخرجت } أظهرت .
{ بالمعروف } بالخير والبر والطاعات . { المنكر } السوء والشر . والمحرمات .
لما أجرى الكلام في مخاطبة المؤمنين إلى بيان أن كل ما في الوجود ملكه وملكه إبداعا . . وأن منتهى الكل إليه أتبع ذلك مزية هذه الأمة ليعلم أنها بسابقة العناية الأزلية إذ جعلهم مظهر الألطاف وذكر بعدها رذيلة أهل الكتاب ليعرف أنها لوقوعهم في طريق القهر ولا اعتراض لأحد على ما يفعله المالك في ملكه . . قال بعض المفسرين كان ههنا تامة ، وانتصاب { خير أمة } على الحال أي حدثتم ووجدتم خير أمة ، والأكثرون على أنها – كان- ناقصة فجاء إيهام أنهم موصوفون بالخيرية في الزمان الماضي دونما يستقبل ، فأجيب بأن كان لا تدل على عدم سابق ولا انقطاع طارئ بدليل قوله { . . وكان الله غفورا رحيما }{[1097]} . وقيل المراد كنتم في علم الله أو في اللوح المحفوظ . . أو كنتم في الأمم قبلكم مذكورين بأنكم خير أمة كقوله{ . . ذلك مثلهم في التوراة والإنجيل . . }{[1098]} . . وقيل إنها بمعنى صار أي صرتم خير أمة وأصل الأمة الطائفة المجتمعة على الشيء الواحد وأمة محمد صلى الله عليه وسلم هي الطائفة الموصوفة بالإيمان به والإقرار بنبوته وإذا أطلقت الأمة في نحو قول العلماء اجتمعت الأمة ، وقعت عليهم ، يقال لكل من جمعتهم دعوته إنهم أمة الدعوة ولا يطلق عليهم لفظ الأمة إلا بهذا القيد . قال الزجاج : ظاهر الخطاب في { كنتم } مع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ولكنه عام في حق كل الأمة ونظيره { . . كتب عليكم القصاص . . }{[1099]} { . . كتب عليكم الصيام . . }{[1100]} - {[1101]} .
وقد وردت أحاديث كثيرة صحيحة تشهد بفضل هذه الأمة وشرفها وكرامتها على الله عز وجل وأنها خير الأمم في الدنيا والآخرة ، ففي الصحيحين عن عبد الله ابن مسعود قال : قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أما ترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة ) ؟ فكبرنا ثم قال ( إني لأرجو أن تكونوا شطر أهل الجنة ) وفيهما عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( نحن الآخرون الأولون يوم القيامة نحن أول الناس دخولا الجنة بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا وآتيناه من بعدهم فهدانا الله لما اختلفوا فيه من الحق فهذا اليوم الذي اختلفوا فيه الناس لنا فيه تبع غدا لليهود وللنصارى بعد غد ) .
وفي صحيح مسلم عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ( عرضت علي الأمم فرأيت النبي ومعه الرهط والنبي ومعه الرجل والرجلان والنبي ليس معه أحد إذ رفع لي سواد عظيم فظننت أنهم أمتي فقيل لي هذا موسى وقومه ولكن انظر إلى الأفق فنظرت فإذا سواد عظيم فقيل لي انظر إلى الأفق الآخر فإذا سواد عظيم فقيل لي هذه أمتك ومعهم سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب ) ثم نهض فدخل منزله فخاض الناس في أولئك الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب فقال بعضهم فلعلهم الذين ولدوا في الإسلام ولم يشركوا بالله شيئا وذكروا أشياء فخرج عليهم رسول الله فقال ( ما الذي تخوضون فيه ؟ ) فأخبروه فقال : ( هم الذين لا يرقون ولا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون ) فقام عكاشة بن محصن فقال ادع الله أن يجعلني منهم قال ( أنت منهم ) ثم قام رجل آخر فقال ادع الله أن يجعلني منهم قال ( سبقك بها عكاشة ) .
ونقل المفسرون بالمأثور عن قتادة أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال : يا أيها الناس من سره أن يكون من تلكم الأمة فليؤد شرط الله تعالى منها كأنه يشير بذلك إلى قول المولى سبحانه { تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله } وجملة تأمرون وما بعدها في موقع الحال أي كنتم خير أمة حال كونكم آمرين بالبر والطاعات ناهين عن السوء والخطيئات مؤمنين بالله تعالى وبما يجب عليكم الإيمان به من الملائكة والآخرة والرسل والرسالات .
- وأما الإيمان بالله فلا شك أنه في هذه الأمة أكمل لأنهم آمنوا بكل ما يجب الإيمان به من رسول أو كتاب أو بعث أو حساب أو ثواب أو عقاب إلى غير ذلك ولا يقولون : نؤمن ببعض ونكفر ببعض . . . وإنما قدم الأمر بالمعروف على الإيمان بالله في الذكر مع أن الإيمان مقدم على كل الطاعات لأن الآية سيقت لبيان فضل الأمر بالمعروف وتأكد القيام به ولهذا كرر بعد قوله { ولتكن منكم أمة يدعون {[1102]} إلى الخير ويأمرون بالمعروف . . } . . على أن الواو لا تفيد الترتيب -{[1103]} .
{ ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم } لو أقر واستيقن أهل التوراة والإنجيل بما يجب الإيمان به كما استيقن المسلمون وأقروا وصدقوا بالله تعالى وكافة رسله وكتبه لكان أولى{[1104]} لهم من أن يؤمنوا ببعض الكتاب ويكفروا ببعض ويصدقوا بنبوة رسول الله ويجحدوا نبوة غيره ؛ { منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون } من اليهود والنصارى قلة آمنت بالرسالة الخاتمة والرسول الخاتم كعبد الله بن سلام وغيره وأكثر اليهود والنصارى فسقوا عن هدى الله وخرجوا عن ميثاقه الذي أخذ عليهم أن يؤمنوا بكل الرسل وأن يتبعوا النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل .
ثم قال تعالى مخبرا عباده المؤمنين ومبشرا لهم أن النصر والظفر لهم على أهل الكتاب الكفرة الملحدين فقال تعالى { لن يضروكم {[1105]} إلا أذى وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار ثم لا ينصرون }{[1106]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.