محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{كُنتُمۡ خَيۡرَ أُمَّةٍ أُخۡرِجَتۡ لِلنَّاسِ تَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَتَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَتُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِۗ وَلَوۡ ءَامَنَ أَهۡلُ ٱلۡكِتَٰبِ لَكَانَ خَيۡرٗا لَّهُمۚ مِّنۡهُمُ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَأَكۡثَرُهُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ} (110)

110

( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون110 ) .

( كنتم خير أمة أخرجت للناس ) كلام مستأنف سيق لتثبيت المؤمنين على ما هم عليه من الاتفاق على الحق ، والدعوة إلى الخير ، و ( كنتم ) من ( كان ) التامة ، والمعنى وجدتم وخلقتم خير أمة ، أو ( الناقصة ) والمعنى كنتم في علم الله خير أمة ، أو في الأمم الذين كانوا قبلكم مذكورين بأنكم خير أمة و ( أخرجت للناس ) صفة لأمة ، واللام متعلقة ب ( أخرجت ) ، أي أظهرت لهم حتى تميزت وعرفت ، وفصل بينها وبين غيرها . / ثم بين وجه الخيرية بما لم يحصل مجموعه لغيرهم بقوله : ( تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ) فبهذه الصفات فضلوا على غيرهم ممن قال تعالى فيهم : ( كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه ، لبئس ما كانوا يفعلون ) . ( ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ) . قال أبو السعود : وتؤمنون بالله أي إيمانا متعلقا بكل ما يجب أن يؤمن به من رسول وكتاب وحساب وجزاء . وإنما لم يصرح به تفصيلا لظهور أنه الذي يؤمن به المؤمنون ، وللإيذان بأنه هو الإيمان بالله تعالى حقيقة ، وأن ما خلا عن شيء من ذلك كإيمان أهل الكتاب ليس من الإيمان به تعالى في شيء . قال تعالى : ( ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا * أولئك هم الكافرون حقا ) وإنما أخر ذلك عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، مع تقدمه عليهما وجودا ورتبة ، لأن دلالتهما على خيريتهم للناس أظهر من دلالته عليها وليقترن به ما بعده –انتهى- روى ابن جرير " أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه رأى من الناس رعة ، فقرأ هذه الآية ( كنتم خير أمة أخرجت للناس ) ثم قال : من سره أن يكون من هذه الأمة فليؤد / شرط الله فيها " . ونظير هذه الآية قوله تعالى : ( وكذلك جعلناكم وسطا ) ، أي خيارا ، ( لتكونوا شهداء على الناس ) ، أي بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .

وقد روي في معنى الآية عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث وافرة ، منها ما أخرجه الإمام أحمد والترمذي والحاكم عن معاوية بن حيدة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا إنكم توفون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله عز وجل " . قال ابن كثير : وهو حديث مشهور ، وقد حسنه الترمذي . ويروى من حديث معاذ بن جبل وأبي سعيد ونحوه . وإنما حازت هذه الأمة قصب السبق إلى الخيرات بنبيها محمد صلى الله عليه وسلم ، فانه أشرف خلق الله ، وأكرم الرسل على الله ، وبعثه الله بشرع كامل عظيم ، لم يعطه نبي قبله ، ولا رسول من الرسل ، فالعمل على منهاجه وسبيله ، يقوم القليل منه ما لا يقوم العمل الكثير من أعمال غيرهم مقامه . وقد ذكر الحافظ ابن كثير هاهنا حديث السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب ، وساق طرقه ومخرجيه فأجاد رحمه الله تعالى . ( ولو آمن أهل الكتاب ) أي بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم ( لكان خيرا لهم ) أي مما هم عليه ، إشارة إلى تسفيه أحلامهم في وقوفهم مع ما منعهم عن الإيمان من العوض القليل الفاني والرياسة التافهة ، وتركهم الغنى الدائم ، والعز الباهر . ولما كان هذا ربما أوهم أنه لم يؤمن منهم أحد قال مستأنفا ( منهم المؤمنون ) أي بالله وما أنزل إليكم وما أنزل أليهم ولكنهم قليل ( وأكثرهم الفاسقون )