الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{كُنتُمۡ خَيۡرَ أُمَّةٍ أُخۡرِجَتۡ لِلنَّاسِ تَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَتَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَتُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِۗ وَلَوۡ ءَامَنَ أَهۡلُ ٱلۡكِتَٰبِ لَكَانَ خَيۡرٗا لَّهُمۚ مِّنۡهُمُ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَأَكۡثَرُهُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ} (110)

ّ{ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ } الآية قال عكرمة ومقاتل : نزلت في ابن مسعود وأبي بن كعب ومعاذ وسالم مولى أبي حذيفة ، وذلك أن ابن الصيف ووهب بن يهود اليهوديين قالا لهم : إن ديننا خير مما تدعوننا إليه ونحن خير وأفضل منكم . فأنزل الله تعالى هذه الآية .

سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } هم الذين هاجروا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة .

وروى جويبر عن الضحاك قال : هم أصحاب محمد خاصة الرواة الدعاة الذين أمر الله عز وجل بطاعتهم . يدل عليه ما روى السدي أن عمر الخطاب قال : { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } ، قال : تكون لأولنا ولا تكون لآخرنا .

وعن عمر بن الحصين قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " طوبى لمن رآني ولمن رأى من رآني ولمن رأى من رأى من رأى من رآني " .

الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أُحد ذهباً ما أدرك مدّ أحدهم ولا نصيفه " .

وقال آخرون : هم جمع المؤمنين من هذه الأُمة وقوله : { كُنْتُمْ } يعني أنتم كقوله :

{ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً } [ مريم : 29 ] أي من هو في المهد . وإدخال ( كان ) واسقاطه في مثل هذا المعنى واحد ، كقوله :

{ وَاذْكُرُواْ إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً } [ الأعراف : 86 ] وقال في موضع آخر :

{ وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ } [ الأنفال : 26 ] .

وقال محمد بن جرير : هذا بمعنى التمام ، وتأويله : خلقتم ووجدتم خير أُمة .

وقال : معنا { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ } عند الله في اللوح المحفوظ ، { أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } قال قوم : للناس من صلة قوله : { خَيْرَ أُمَّةٍ } : يعني أنتم خير الناس للناس . قال أبو هريرة : معناه كنتم خير الناس للناس يجيئون بهم في السلاسل فيدخلونهم في الإسلام . قتادة هم أُمة محمد صلى الله عليه وسلم لم يؤمر نبي قبله بالقتال فيسبون من سبي الروم والترك والعجم فيدخلونهم في دينهم ، فهم خير أُمة أُخرجت للناس .

مقاتل بن حيان : ليس خلق من أهل الأديان ولا يأمرون من سواهم بالخير وهذه الآية يأمرون كل أهل دين وأنفسهم لا يظلم بعضهم بعضاً ، بل يأمرونهم بالمعروف وينهونهم عن المنكر ؛ فأُمّة محمد صلى الله عليه وسلم خير أُمم الناس .

وقال آخرون : قوله : { لِلنَّاسِ } من صلة قوله : { أُخْرِجَتْ } ومعناه ما أخرج الله للناس أُمّة خيراً من أُمة محمد صلى الله عليه وسلم فهم خير أُمة أقامت وأُخرجت للناس ، وعلى هذا تتابعت الأخبار .

روى بهز بن حكيم عن أبيه عن جده أنّه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول في قوله : { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } قال : " إنكم تتمّون سبعين أُمة أنتم خيرها وأكرمها على الله عز وجل " .

وروى عبد الله بن بريدة عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أهل الجنة عشرون ومئة صف ، منها ثمانون من هذه الأُمة " .

نافع عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما من أُمة إلاّ وبعضها في النار ، وبعضها في الجنّة ، وأُمتي كلّها في الجنة " .

ثابت البناني عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " مثل أُمتي مثل المطر ؛ لا يُدرى أوله خير أم آخره " .

وعن أنس قال : " أتى رسولَ الله أسقف فذكر أنه رأى في منامه الأُمم كانوا يمنعون على الصراط [ . . . . . . . . . . ] حتى أتت أُمة محمد صلى الله عليه وسلم غرّاً محجلين قال : فقلت : من هؤلاء الأنبياء ؟ قالوا : لا ، قلت : مرسلون ؟ قالوا : لا ، فقلت : ملائكة ؟ قالوا : لا ، فقلت : من هؤلاء ؟ قالوا : أُمة محمد صلى الله عليه وسلم غرّاً محجلين عليهم أثر الطهور ، فلما أصبح الأسقف أسلم " .

عن سعيد بن المسيب ، عن عمر ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " الجنة حرمت على الأنبياء كلهم حتى أدخلها ، وحرمت على الأُمم حتى تدخلها أُمتي " .

وروى أبو بردة عن أبي موسى قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن أُمتي أُمة مرحومة ، إذا كان يوم القيامة أعطى الله كل رجل من هذه الأُمة رجلا من الكفّار فيقول : هذا فداؤك من النار " .

وعن أنس قال : " خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا بصوت يجيء من شعب ، قال : " يا أنس ، انطلق فانظر ما هذا الصوت " ، قال : فانطلقت فإذا برجل يصلي إلى شجرة فيقول : " اللهم اجعلني من أُمة محمد المرحومة ، المغفور لها ، المستجاب لها ، المتاب عليها " . فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأعلمته ذلك فقال : " انطلق فقل له إن رسول الله يقرئك السلام ويقول : من أنت ؟ " . فأتيته فأعلمته ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : " أقرئ منّي رسول الله السلام وقل له : أخوك الخضر يقول [ أسألك ] أن يجعلني من أُمتك المرحومة المغفور لها المستجاب لها المتاب عليها " " .

وقيل لعيسى ( عليه السلام ) : يا روح الله ، هل بعد هذه الأُمة أُمة ؟ قال : " علماء حلماء حكماء ، أبرار أتقياء ، كأنهم من العلم أنبياء يرضون من الله باليسير من الرزق ، ويرضى الله منهم باليسير من العمل يدخلهم الجنة بشهادة أن لا اله إلاّ الله " .

وبلغنا أن كعب الأحبار قيل له : لِم لم تسلم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبي بكر ، وأسلمت على عهد عمر ؟ فقال : لأن أبي دفع إلي كتاباً مختوماً ، وقال : لا تفكّ ختمه . فرأيت في المنام أيام عمر ( رضي الله عنه ) قائلا قال لي : إن أبي خانك في تلك الصحيفة ، ففككتها فإذا فيها نعت أُمة محمد صلى الله عليه وسلم سالوما وعالوما وحاكوما وصافوحا وخاروجا ، فسألوه عن تفسيرها ، فقال : هو أن شعارهم أن يسلم بعضهم على بعض ، وعلماؤهم مثل أنبياء بني إسرائيل ، وحكم الله لهم بالجنّة ، ويتصافحون فيغفر لهم ويخرجون من ذنوبهم كيوم ولدتهم أُمّهاتهم .

وقال يحيى بن معاذ : هذه الآية مدحة لأُمة محمد صلى الله عليه وسلم ولم يكن ليمدح قوماً ثم يعذبهم .

ثم ذكر مناقبهم فقال : { تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ } .