السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{كُنتُمۡ خَيۡرَ أُمَّةٍ أُخۡرِجَتۡ لِلنَّاسِ تَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَتَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَتُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِۗ وَلَوۡ ءَامَنَ أَهۡلُ ٱلۡكِتَٰبِ لَكَانَ خَيۡرٗا لَّهُمۚ مِّنۡهُمُ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَأَكۡثَرُهُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ} (110)

{ كنتم } يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم في علم الله تعالى { خير أمة أخرجت } أي : أظهرت { للناس } وقيل : كنتم في الأمم قبلكم مذكورين بأنكم خير أمة موصوفين به .

روي أنه صلى الله عليه وسلم قال : ( ألا وإن هذه الأمة توفي سبعين أمة هي خيرها وأكرمها على الله تعالى ) .

وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال : ( مثل أمتي مثل المطر لا يدرى أوّله خير أم آخره ) .

وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال : ( إنّ الجنة حرمت على الأنبياء كلهم حتى أدخلها وحرمت على الأمم حتى تدخلها أمّتي ) .

وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال : ( أهل الجنة عشرون ومائة صف ثمانون من هذه الأمة ) وقوله تعالى : { تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر } استئناف بين به كونهم خير أمة كما تقول : زيد كريم يطعم الناس ويكسوهم ويقوم بمصالحهم أو خبر ثان لكنتم وقوله تعالى : { وتؤمنون بالله } يتضمن الإيمان بكل ما يجب أن يؤمن به ؛ لأنّ من آمن ببعض ما يجب الإيمان به من رسول أو كتاب أو بعث أو حساب أو عقاب أو ثواب أو غير ذلك لم يعتدّ بإيمانه فكأنه غير مؤمن بالله .

فإن قيل : لم أخر تؤمنون بالله وحقه أن يقدم ؟ أجيب : بأنه إنما أخر ؛ لأنه قصد بذكره الدلالة على أنهم أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر إيماناً بالله تعالى وتصديقاً به وإظهاراً لدينه .

تنبيه : استدل بهذه الآية على أنّ إجماع هذه الأمة حجة ؛ لأنها تقتضي كونهم آمرين بكل معروف ناهين عن كل منكر إذ اللام فيها للاستغراق فلو أجمعوا على باطل كتحريم شيء هو في نفس الأمر معروف كان أمرهم على خلاف ذلك { ولو آمن أهل الكتاب } بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم { لكان } الإيمان { خيراً لهم } مما هم عليه لأنهم إنما آثروا دينهم على دين الإسلام حباً للرياسة واستتباع العوام { منهم المؤمنون } كعبد الله بن سلام وأصحابه { وأكثرهم الفاسقون } أي : المتمرّدون في الكفر .