لطائف الإشارات للقشيري - القشيري  
{كُنتُمۡ خَيۡرَ أُمَّةٍ أُخۡرِجَتۡ لِلنَّاسِ تَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَتَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَتُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِۗ وَلَوۡ ءَامَنَ أَهۡلُ ٱلۡكِتَٰبِ لَكَانَ خَيۡرٗا لَّهُمۚ مِّنۡهُمُ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَأَكۡثَرُهُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ} (110)

لمّا كان المصطفى صلوات الله عليه أشرفَ الأنبياء كانت أُمَّتُه - عليه السلام - خيرَ الأمم . ولمَّا كانوا خيرَ الأمم كانوا أشرفَ الأمم ، ولمَّا كانوا أشرف الأمم كانوا أشْوَقَ الأمم ، فلمَّا كانوا أشوق الأمم كانت أعمارُهم أقْصَرَ الأعمار ، وخَلقَهم آخِرَ الخلائق لئلا يطولَ مُكْثُهم تحت الأرض . وما حصلت خيريتُهم بكثرة صلواتهم وعبادتهم ، ولكن بزيادة إقبالهم ، وتخصيصه إياهم . ولقد طال وقوف المتقدمين بالباب ولكن لما خرج الإذنُ بالدخول تقدَّم المتأخرون :

وكم باسطين إلى وَصْلِنا *** أكُفَّهُم لم ينالوا نصيبا

قوله جلّ ذكره : { تَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ } .

المعروف خدمة الحق ، والمنكر صحبة النفس .

المعروف إيثار حقِّ الحق ، والمنكر اختيار حظ النفس .

المعروف ما يُزْلِفُك إليه ، والمنكر ما يحجبك عنه .

وشرط الآمر بالمعروف أن يكون متصفاً بالمعروف ، وحقُّ النَّاهي عن المنكر أن يكون منصرفاً عن المنكر .

{ وَلَو آمَنَ أَهْلُ الكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمْ المُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الفَاسِقُونَ } .

لو دَخَلَ الكافةُ تحت أمرنا لوصلوا إلى حقيقة العزِّ في الدنيا والعقبى ، ولكن بَعُدُوا عن القبول في سابق الاختيار فصار أكثرُهم موسوماً بالشِّرْك .