الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{كُنتُمۡ خَيۡرَ أُمَّةٍ أُخۡرِجَتۡ لِلنَّاسِ تَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَتَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَتُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِۗ وَلَوۡ ءَامَنَ أَهۡلُ ٱلۡكِتَٰبِ لَكَانَ خَيۡرٗا لَّهُمۚ مِّنۡهُمُ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَأَكۡثَرُهُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ} (110)

وقوله تعالى : { كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ . . . } [ آل عمران :110 ] .

اختلفَ في تأويل هذه الآية ، فقيل : نزلَتْ في الصحابة ، وقال الحسَنُ بْنُ أبي الحَسَن وجماعةٌ مِنْ أَهْل العلْمِ : الآيةُ خطَابٌ لجميع الأمة ، بأنهم خير أمة أخرجَتْ للنَّاس ، ويؤيِّد هذا التأويلَ كونُهم شهداءَ عَلَى النَّاس ، وأمَّا قوله : { كُنْتُمْ } على صيغة المُضِيِّ ، فإنها التي بمعنَى الدَّوامِ ، كما قال تعالى : { وَكَانَ الله غَفُوراً رَّحِيماً } [ النساء :96 ] ، وقال قوم : المعنى : كنتم فِي عِلْمِ اللَّه ، وهذه الخَيْريَّة التي خَصَّ اللَّه بها هذه الأمَّة ، إنما يأخذ بحَظِّه منها مَنْ عمل بهذه الشُّروط مِنَ الأمر بالمعروفِ ، والنَّهْيِ عن المنكر ، والإيمانِ باللَّه ، ممَّا جاء في فَضْل هذه الأمَّة ما خرَّجه مُسْلِمٌ في صحيحه ، عن أبي هريرة ، قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ( نَحْنُ الآخِرُونَ الأَوَّلُونَ يَوْمَ القِيَامةِ ) وفي رواية : ( السَّابِقُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ ، وَنَحْنُ أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الجَنَّة ) ، وفي رواية : ( نَحْنُ الآخِرُونَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا ، والأَوَّلُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ ، المَقْضِيُّ لَهُمْ قَبْلَ الخَلاَئِقِ ) ، وفي رواية : ( المَقْضِيُّ بَيْنَهُمْ ) اه .

وخرَّج ابن مَاجَة ، عَنِ ابْنِ عَبَّاس ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( نَحْنُ آخرُ الأُمَمِ ، وَأَوَّلُ مَنْ يُحَاسَبَ ، يُقَالُ : أَيْنَ الأَمَّةُ الأَمِّيَّةُ ونبيها ؟ فَنَحْنُ الآخرُونَ الأَوَّلُونَ ) ، وفي روايةٍ عن ابن عَبَّاس : ( فتُفَرِّجُ لَنَا الأَمَمُ عَنْ طَرِيقَنَا ، فَنَمْضِي غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الطُّهُورِ ، فَتَقُولُ الأُمَمُ : كَادَتْ هَذِهِ الأَمَّةُ أَنْ تَكُونَ أَنْبِيَاءَ كُلُّهَا ) ، وخَرَّجهُ أيضاً أبو داود الطَّيَالِسِيُّ في مسنده بمعناه . اه من «التذكرة » .

وروى أبو داود في " سننه " ، قال : حدَّثنا عثمانُ بنُ أبي شَيْبة ، عن أبيه ، عن أبي موسى ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ( أُمَّتِي هَذِهِ أُمَّةٌ مَرْحُومَةٌ ، لَيْسَ عَلَيْهَا عَذَابٌ فِي الآخِرَةِ ، عَذَابُهَا فِي الدُّنْيَا ، الفِتَنُ ، وَالزَّلاَزِلُ ، وَالقَتْل ) اه ، وقد ذكرنا هذا الحديثَ أيضاً عن غَيْر أبي داود ، وهذا الحديثُ ليس هو على عمومه في جميعِ الأمَّة ، لثبوت نُفُوذِ الوعيدِ في طائفةٍ من العُصَاة ، اه .

وقوله : { تَأْمُرُونَ بالمعروف }[ آل عمران :110 ] ، وما بعده : أحوالٌ في موضعِ نصبٍ ، وفي الحديثِ : ( خَيْرُ النَّاسِ أتقَاهُمْ لِلَّهِ ، وَآمَرُهُمْ بِالمَعْرُوفِ ، وَأَنْهَاهُمْ عَنِ المُنْكَرِ ، وَأَوْصَلُهُمْ لِلرَّحِمِ ) ، رواه البغويُّ في «منتخبه » ، اه من «الكوكب الدري » .

وقوله سبحانه : { مّنْهُمُ المؤمنون } تنبيهٌ على حال عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلاَمٍ ، وأخيهِ ، وثَعْلَبَةَ بْنِ سَعْيَةَ ، وغيْرِهِمْ مِمَّنْ آمَنَ .