{ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ } صفة { إِنَّهَا بَقَرَةٌ } وهو من الوصف بالمفرد ، ومن قال : هو من الوصف بالجملة ، وأن التقدير لا هي ذلول فقد أبعد عن الصواب ، و{ لا } بمعنى غير ، وهو اسم على ما صرح به السخاوي وغيره لكن لكونها في صورة الحرف ظهر إعرابها فيما بعدها ، ويحتمل أن تكون حرفاً –كإلا- التي بمعنى غير في مثل قوله تعالى : { لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلهة إِلاَّ الله لَفَسَدَتَا } [ الأنبياء : 22 ] والذلول الريض الذي زالت صعوبته يقال : دابة ذلول بينة الذي بالكسر ، ورجل ذلول بين الذل بالضم .
{ تُثِيرُ الأرض وَلاَ تَسْقِى الحرث } { لا } صلة لازمة لوجوب التكرار في هذه الصورة وهي مفيدة للتصريح بعموم النفي إذ بدونها يحتمل أن يكون لنفي الاجتماع ، ولذا تسمى المذكرة .
والإثارة : قلب الأرض للزراعة من أثرته إذا هيجته ، والحرث الأرض المهيأة للزرع أو هي شق الأرض ليبذر فيها ، ويطلق على ما حرث وزرع ، وعلى نفس الزرع أيضاً ، والفعلان صفتا ذلول والصفة يجوز وصفها على ما ارتضاه بعض النحاة وصرح به السمين ، والفعل الأول داخل في حيز النفي والمقصود نفي إثارتها الأرض أي لا تثير الأرض فتذل فهو من باب :
ففيه نفي للأصل والفرع معاً ، وانتفاء الملزوم بانتفاء اللازم ، قال الحسن : كانت هذه البقرة وحشية ولهذا وصفت بأنها { لا تُثِيرُ الأرض } الخ ، وذهب قوم إلى أن تثير مثبت لفظاً ومعنى ، وأنه أثبت للبقرة أنها تثير الأرض وتحرثها ونفى عنها سقي الحرث ، ورد بأن ما كان يحرث لا ينتفي عنه كونه ذلولاً ، وقال بعض : المراد إنها تثير الأرض بغير الحرث بطراً ومرحاً ، ومن عادة البقر إذا بطرت تضرب بقرونها وأظلافها فتثير تراب الأرض فيكون هذا من تمام قوله : { لاَّ ذَلُولٌ } لأن وصفها بالمرح والبطر دليل على ذلك وليس عندي بالبعيد وذهب بعضهم كما في الكواشي إلى أن جملة { تُثِيرُ } في محل نصب على الحال . قال ابن عطية : ولا يجوز ذلك لأنها من نكرة ، واعترض بأنه إن أراد بالنكرة بقرة فقد وصفت ، والحال من النكرة الموصوفة جائزة جوازاً حسناً وإن أراد بها { لاَّ ذَلُولٌ } فمذهب سيبويه جواز مجيء الحال من النكرة وإن لم توصف ، وقد صرح بذلك في مواضع من كتابه اللهم إلا أن يقال : إنه تبع الجمهور في ذلك وهم على المنع وجعل الجملة حالاً من الضمير المستكن في ذلول أي : لا ذلول في حال إثارتها ليس بشيء ، وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي : { لاَّ ذَلُولٌ } بالفتح فلا للتبرئة ، والخبر محذوف أي هناك ، والمراد مكان وجدت هي فيه ، والجملة صفة ذلول ، وهو نفي لأن توصف بالذل ، ويقال : هي ذلول بطريق الكناية لأنه لو كان في مكان البقرة لكانت موصوفة به ضرورة اقتضاء الصفة للموصوف ، فلما لم يكن في مكانها لم تكن موصوفة به ، فهذا كقولهم محل فلان مظنة الجود والكرم ، وهذا أولى مما قيل : إن { تُثِيرُ } خبر { لا } والجملة معترضة بين الصفة والموصوف لأنه أبلغ كما لا يخفى ، وبعضهم خرج القراءة على البناء نظراً إلى صورة { لا } كما في كنت بلا مال بالفتح ، وليس بشيء لأن ذلك مقصور على مورد السماع ، وليس بقياسي على ما يشعر به كلام الرضي( {[172]} ) وقرئ { تَسْقِى } بضم حرف المضارعة من أسقى بمعنى سقى ، وبعض فرق بينهما بأن سقى لنفسه ، وأسقى لغيره كماشيته وأرضه .
{ فالآن باشروهن } [ البقرة : 187 ] إذ الأمر نص في الاستقبال ، وادعى بعضهم إعرابها لقوله :
يريد من الآن فجره وهو يحتمل البناء على الكسر ، و( أل ) فيها للحضور عند بعض ، وزائدة عند آخرين ، وبنيت لتضمنها معنى الإشارة ، أو لتضمنها معنى أل التعريفية كسحر ، وقرئ ( آلآن ) بالمد على الاستفهام التقريري إشارة إلى استبطائه وانتظارهم له .
وقرأ نافع بحذف الهمزة وإلقاء حركتها على اللام ، وعنه روايتان حذف واو { قَالُواْ } وإثباتها فَذَبَحُوهَا أي فطلبوا هذه البقرة الجامعة للأوصاف السابقة وحصلوها { فَذَبَحُوهَا } فالفاء فصيحة عاطفة على محذوف إذ لا يترتب الذبح على مجرد الأمر بالذبح ، وبيان صفتها وحذف لدلالة الذبح عليه ، وتحصيلها كان باشترائها من الشاب البار بأبويه كما تظافرت عليه أقوال أكثر المفسرين والقصة مشهورة ، وقيل : كانت وحشية فأخذوها ، وقيل : لم تكن من بقر الدنيا بل أنزلها الله تعالى من السماء وهو قول هابط إلى تخوم الأرض ، قيل : ووجه الحكمة في جعل البقرة آلة دون غيرها من البهائم أنهم كانوا يعبدون البقر والعجاجيل وحبب ذلك في قلوبهم ، لقوله تعالى : { وَأُشْرِبُواْ في قُلُوبِهِمُ العجل } [ البقرة : 3 9 ] ثم بعد ما تابوا أراد الله تعالى أن يمتحنهم بذبح ما حبب إليهم ليكون حقيقة لتوبتهم ، وقيل : ولعله ألطف وأولى إن الحكمة في هذا الأمر إظهار توبيخهم في عبادة العجل بأنكم كيف عبدتم ما هو في صورة البقرة مع أن الطبع لا يقبل أن يخلق الله تعالى فيه خاصية يحيا به ميت بمعجزة نبي ؟ ! وكيف قبلتم قول السامري إنه إلهكم وها أنتم لا تقبلون قول الله سبحانه : إنه يحيا بضرب لحمة منه الميت سبحان الله تعالى هذا الخرق العظيم { وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ } كنى على الذبح بالفعل أي وما كادوا يذبحون واحتمال أن يكون المراد : وما كادوا يفعلون ما أمروا به بعد الذبح من ضرب بعضها على الميت بعيد ، وكاد موضوعة لدنوّ الخبر حصولاً ولا يكون خبرها في المشهور إلا مضارعاً دالاً على الحال لتأكيد القرب ، واختلف فيها فقيل : هي في الإثبات نفي وفي النفي إثبات ، فمعنى كاد زيد يخرج قارب ولم يخرج وهو فاسد لأن معناها مقاربة الخروج ، وأما عدمه فأمر عقلي خارج عن المدلول ولو صح ما قاله لكان قارب ونحوه كذلك ولم يقل به أحد ، وقيل : هي في الإثبات إثبات وفي النفي الماضي إثبات وفي المستقبل على قياس الأفعال . وتمسك القائل بهذه الآية لأنه لو كان معنى { وَمَا كَادُواْ } هنا نفياً للفعل عنهم لناقض قوله تعالى : { فَذَبَحُوهَا } حيث دل على ثبوت الفعل لهم والحق أنها في الإثبات والنفي كسائر الأفعال ، فمثبتها لإثبات القرب ، ومنفيها لنفيه ، والنفي والإثبات في الآية محمولان على اختلاف الوقتين أو الاعتبارين فلا تناقض إذ من شرطه اتحاد الزمان والاعتبار ، والمعنى أنهم ما قاربوا ذبحها حتى انقطعت تعللاتهم فذبحوا كالملجأ أو فذبحوها ائتماراً وما كادوا من الذبح خوفاً من الفضيحة أو استثقالاً لغلو ثمنها حيث روى أنهم اشتروها بملء جلدها ذهباً ، وكانت البقرة إذ ذاك بثلاثة دنانير ، واستشكل القول باختلاف الوقتين بأن الجملة حال من فاعل { ذبحوها } فيجب مقارنة مضمونها لمضمون العامل ، والجواب بأنهم صرحوا بأنه قد يقيد بالماضي فإن كان مثبتاً قرب بقد لتقربه من الحال وإن كان منفياً كما هنا لم يقرن بها لأن الأصل استمرار النفي فيفيد المقاربة لا يجدي نفعاً لأن عدم مقاربة الفعل لا يتصور مقارنتها له ، ولهذا عول بعض المتأخرين في الجواب على أن { فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ } كناية عن تعسر الفعل وثقله عليهم وهو مستمر باق ، وقد صرح في «شرح التسهيل »/ أنه قد يقول القائل لم يكد زيد يفعل ، ومراده أنه فعل بعسر لا بسهولة وهو خلافا الظاهر الذي وضع له اللفظ فافهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.