التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{قَالَ إِنَّهُۥ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٞ لَّا ذَلُولٞ تُثِيرُ ٱلۡأَرۡضَ وَلَا تَسۡقِي ٱلۡحَرۡثَ مُسَلَّمَةٞ لَّا شِيَةَ فِيهَاۚ قَالُواْ ٱلۡـَٰٔنَ جِئۡتَ بِٱلۡحَقِّۚ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفۡعَلُونَ} (71)

[ 4 ] ذلول : بمعنى متمرنة على العمل مذللة له .

[ 5 ] تثير الأرض : تحرث الأرض .

[ 6 ] ولا تسقي الحرث : أي لا تستخدم في عملية إرواء الأرض .

[ 7 ] مسلّمة لا شية فيها : صافية ليس فيها بقعة ما : أي هي صفراء تمام الصفرة .

{ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً قَالُواْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً قَالَ أَعُوذُ بِاللّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ { 67 } قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لّنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ فَارِضٌ [ 1 ] وَلاَ بِكْرٌ [ 2 ] عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ [ 3 ] فَافْعَلُواْ مَا تُؤْمَرونَ { 68 } قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاء فَاقِعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ { 69 } قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ إِنَّ البَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِن شَاء اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ { 70 } قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ ذَلُولٌ [ 4 ] تُثِيرُ الأَرْضَ [ 5 ] وَلاَ تَسْقِي الْحَرْثَ [ 6 ] مُسَلَّمَةٌ لاَّ شِيَةَ فِيهَا [ 7 ] قَالُواْ الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ { 71 } وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا [ 8 ] وَاللّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ { 72 } فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ { 73 } ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاء وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ { 74 } } .

تعليق على الحلقة الرابعة من سلسلة الآيات الواردة في السورة عن بني إسرائيل

وهذه رابع حلقة من السلسلة وعبارتها واضحة ، وفيها حكاية قتل ومعجزة ربانية ؛ حيث قتل بعضهم شخصاً وتنصلوا من قتله أو اختلفوا واختصموا فيه فطلب موسى بأمر الله منهم أن يذبحوا بقرة ويضربوا القتيل ببعضها ففعلوا فأحياه الله . وقد حكت الآيات في سياق حكاية ذلك ما كان من لجاج اليهود وكثرة مراجعاتهم حتى شقوا بذلك على أنفسهم بأسلوب فيه تنديد وتقريع . فقد أمروا بذبح بقرة ما ، وكان يجزيهم أن يذبحوا أية بقرة . وقد انتهت الآيات بذكر ما كان بعد الحادث من قسوة قلوبهم بدلاً من أن تلين لمعجزة الله حتى صارت أقسى من الحجارة التي منها ما يلين فيتفجر من خلاله الأنهار ويتشقق فيخرج من خلاله الماء ويهبط من خشية الله ، ثم بتقرير كون الله غير غافل عن أفعالهم بأسلوب ينطوي على التنديد أيضا وأسلوب الآيات التذكيري مثل أسلوب سابقاتها من السلسلة فيجوز أن تكون نزلت معها أو بعدها بفترة ما والله أعلم .

ولقد روى المفسرون {[204]} روايات عديدة عن القصة معزوة إلى ابن عباس وغيره من الصحابة والتابعين متفقة في الجوهر حيث أراد ابن أخ فقير استعجال موت عمّ له غني ليرثه فقتله ووضع جثته على باب دار رجل آخر ليحصل من ذلك على دية عنه أيضا زيادة في الطمع والإثم فكان شغب وكاد يقع قتال فأمر الله موسى أن يطلب منهم ذبح بقرة وضرب القتيل ببعضها ففعلوا بعد اللجاج ، فأحيا الله القتيل فسألوه عن قاتله فأِشار إلى ابن أخيه ثم مات .

وهذه القصة غير واردة في أسفار العهد القديم المتداولة اليوم ، وإن كان في سفر التثنية المتداول اليوم والذي فيه تذكير بأحداث رسالة موسى وعهده شيء قد يمتّ إليها حيث احتوى الإصحاح الواحد والعشرون تشريعاً في صدد القتيل الذي لا يعرف قاتله جاء فيه فيما جاء أن يكسر عنق بقرة لم يحرث عليها ولم تجر بالنير في وادٍ لم يفلح ولم يزرع ويغسل جميع شيوخ القرية أيديهم على العجلة المكسورة العنق ويقولون أيدينا لم تسفك هذا الدم ، وعيوننا لم تر ، ويسألون الله الغفران .

على أن أسلوب الآيات وهي توجه الخطاب إلى السامعين من بني إٍسرائيل كأنما هم الفاعلون وليسوا آباءهم – وتندد بهم وتصف لجاجهم وقسوة قلوبهم بسبيل توكيد اللحمة بينهم وبين آبائهم الغابرين أفعالاً وأخلاقاً ونسباً يدل على أنها تساق إلى قوم يعرفونها وعلى أنها كانت مذكورة في بعض قراطيسهم التي لم تصل إلينا .

وفي كتب التفسير تفصيلات كثيرة في صدد القصة وجزئياتها معزوة إلى بعض أصحاب رسول الله وتابعيهم حتى لقد استغرقت من تفسير الطبري اثنتين وعشرين صفحة كبيرة . وليس منها شيء وارد في كتب الصحاح وقد تدل مع ذلك على أن القصة كانت متداولة في بيئة النبي صلى الله عليه وسلم مع حواشٍ وشروح . وليس لهذا مصدر غير اليهود ولم نر طائلا في إيراد تلك التفصيلات ولو تلخيصاً ؛ لأن القصة كما هو واضح من أسلوبها لم تورد لذاتها وإنما أوردت لبيان ما كان اليهود القدماء يجنحون إليه من لجاج ومشاقة إزاء ما كان يأمرهم الله به بلسان موسى حتى لقد كانوا يشقون على أنفسهم أو يجعلون الله يشق عليهم نتيجة لذلك . ثم لبيان ما كان من عدم اتعاظهم بآيات الله وقسوة قلوبهم بعد هذا الحادث ، تلك القسوة الشديدة التي صورتها الآيات بأروع أسلوب وأقواه . وبمعنى آخر للتنديد بآباء اليهود السامعين والإهابة بالسامعين إلى عدم تكرار تاريخ هؤلاء الآباء وتحذيرهم من قسوة القلب التي كان عليها أولئك الآباء .

وهكذا تتسق أهداف هذه الحلقة مع أهداف الحلقات السابقة .

وكما قلنا في أعقاب الحلقات السابقة نقول هنا : إن في القصة تلقيناً مستمر المدى سواء في التحذير من اللجاج والشقاق وتوريط النفس بهما أم في التحذير من قسوة القلب إزاء أوامر الله تعالى وآياته .

ولم يترك مفسرو الشيعة قتيل بني إسرائيل القديم وبقرتهم بدون تحريف في مناسبتهما . فأوردوا أربع روايات {[205]} . في واحدة : أن الله أوحى إلى موسى بأمر بني إسرائيل بالتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم وآله عند ضربهم القتيل ببعض البقرة ليحييه لهم ففعلوا فأحياه الله . وفي واحدة : أن القتيل توسل بعد أن أحياه الله بمحمد وآله أن يبقيه في الدنيا ويجزي أعداءه ويرزقه رزقا كثيرا طيبا فاستجاب له . وفي واحدة : أن الله أوحى إلى موسى حينما يشتبه في قتل قتيل أن يحلف شيوخ المدينة التي وجد القتيل في أرضها بمحمد وآله الطيبين بأنهم لم يقتلوه ولم يعلموا قاتله . وفي رابعة : أن البقرة الموصوفة في القرآن كانت عند شاب من بني إسرائيل رأى في منامه محمداً وعلياً والحسن والحسين فأحبهما فقالوا له إننا بسبب هذا الحب سنسوق لك جزاءك في الدنيا فلا تبع بقرتك إلا بملء جلد ثور من الدنانير ، فتمسك ببقرته عملاً بالوصية حتى حصل على ما بشر به ! . وهم إلى هذا يسوقون الآيتين [ 72 و73 ] للتدليل على صحة عقيدتهم في الرجعة أي رجعة علي والأئمة إلى الحياة على ما شرحناه في سياق آية سورة النمل [ 82 ] .


[204]:انظر تفسير الآيات في الطبري والخازن وابن كثير
[205]:انظر التفسير والمفسرون للذهبي، 2/ 215-216