بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{قَالَ إِنَّهُۥ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٞ لَّا ذَلُولٞ تُثِيرُ ٱلۡأَرۡضَ وَلَا تَسۡقِي ٱلۡحَرۡثَ مُسَلَّمَةٞ لَّا شِيَةَ فِيهَاۚ قَالُواْ ٱلۡـَٰٔنَ جِئۡتَ بِٱلۡحَقِّۚ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفۡعَلُونَ} (71)

{ قَالَ إِنَّهُ } ، لهم موسى : إن ربكم { يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ ذَلُولٌ } ، يقول لم يذللها العمل . وقال أهل اللغة : الذلول في الدواب مثل الذليل في الناس ، يقال : رجل ذليل ، ودابة ذليلة بيِّنة الذل . { تُثِيرُ الأرض } أي تقلبها للزراعة . ويقال للبقرة : المثيرة . { وَلاَ تَسْقِي الحرث } ، يعني لا يسقى عليها الحرث ، أي لا يستسقى عليها الماء لتسقي الزرع ، ومعناه أن هذه البقرة لم تكن تعمل شيئاً من هذه الأعمال . { مُّسَلَّمَةٌ } يقال : مهذبة سليمة من العيوب . ويقال : مسلمة من الألوان .

{ لاَّ شِيَةَ فِيهَا } ، قال بعضهم لا عيب فيها وقال بعضهم : لا وضح فيها ولا بياض ولا سواد ولا لون سوى لون الصفرة . وقال أهل اللغة : أصله من وشى الثوب ، وأصله في اللغة لا وشية فيها ولكن حذفت منها الواو للخفة مثل عدة وزنة .

فلما وصف لهم موسى ذلك ، { قَالُواْ الآن جِئْتَ بالحق } ، يعني الآن أتممت الصفة . ويقال : الآن جئت بالصفة التي كنا نطلب . { فَذَبَحُوهَا } ، يعني البقرة { وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ } ، أي كادوا أن لا يذبحوها . وقد قيل : إنما أرادوا أن لا يذبحوها ، لأن كل واحد منهم خشي أن يظهر القاتل من قبيلته .

وقال بعضهم : { وما كادوا يفعلون } لغلاء ثمن البقرة ، لأنهم كانوا لا يدركون بقرة بتلك الصفة . وروي عن وهب بن منبه أنه قال : لم توجد تلك البقرة إلا عند فتى من بني إسرائيل ، كان باراً بوالديه وكان يصلي ثلث الليل ، وينام ثلث الليل ، ويجلس ثلث الليل عند رأس أمه ويقول لها : إن لم تقدري على القيام فسبحي الله وهللي ، وكان ورث عن أبيه بقرة فلم يجد أهل تلك القرية على تلك الصفة إلا هذه البقرة ، فاشتروها بملىء مسكها دنانير . وقال بعضهم : كان رجل يبيع الجوهر ، فجاءه إبليس يوماً بجراب من لؤلؤ فعرض عليه ، وأراد أن يبيع منه بمائة ألف ، وكان ذلك يساوي مائتي ألف . فلما أراد أن يشتري ، فإذا مفتاح الصندوق كان تحت رأس أبيه وهو نائم ، فذهب ليوقظه ويرفع المفتاح ويدفع الثمن ، ثم قال في نفسه : كيف أوقظ أبي لأجل ربح مائة ألف ولم يحتمل قلبه فرجع ، فقال : إن أبي نائم . فقال له إبليس : اذهب فأيقظه فإني أبيع منك بخمسين ألفاً فذهب ليوقظه فلم يحتمل قلبه فرجع ؛ فلا زال إبليس يحط من الثمن حتى بلغ عشرة دراهم فلم يوقظ أباه وترك الشراء ذلك . فجعل الله في ماله البركة حتى اشتروا بقرته بملىء مسكها ذهباً .