الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{قَالَ إِنَّهُۥ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٞ لَّا ذَلُولٞ تُثِيرُ ٱلۡأَرۡضَ وَلَا تَسۡقِي ٱلۡحَرۡثَ مُسَلَّمَةٞ لَّا شِيَةَ فِيهَاۚ قَالُواْ ٱلۡـَٰٔنَ جِئۡتَ بِٱلۡحَقِّۚ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفۡعَلُونَ} (71)

وقوله : { لاَّ ذَلُولٌ تُثِيرُ الأرض }[ البقرة :71 ] ، أي : غير مذللة بالعمل والرياضة ، و{ تُثِيرُ الأرض } معناه : بالحراثة ، وهي عند قوم جملةٌ في موضعِ رفعٍ على صفة البقرة أي : لا ذلول مثيرة ، وقال قوم : { تُثِيرُ } فعلٌ مستأنفٌ ، والمعنى إيجاب الحرث ، وأنها كانت تحرُثُ ولا تسقي ، و { مُسَلَّمَةٌ } : بناء مبالغة من السلامة ، قال ابن عبَّاس وغيره : معناه من العيوب ، وقال مجاهد : معناه من الشِّيَاتِ والألوانِ ، وقيل : من العمل ،

و { لاَّ شِيَةَ فِيهَا }[ البقرة :71 ] أي : لا خلاف في لونها هي صفراء كلُّها ، قاله ابن زيد وغيره ، والمُوَشَّى المختلِطُ الألوان ، ومنه : وَشْيُ الثَّوْب ، تزينه بالألوان ، والثَّوْرُ الأَشْيَهُ الذي فيه بلقة ، يقال : فرس أَبْلَقُ ، وكبش أَخْرَجُ ، وتَيْسٌ أَبْرَق ، وكَلْبٌ أَبْقَعُ ، وثَوْرٌ أَشْيَهُ ، كل ذلك بمعنى البلقة ،

وهذه الأوصاف في البقرة سببها أنهم شدَّدوا فشدَّد اللَّه عليهم ، ودينُ اللَّه يُسْر ، والتعمُّق في سؤال الأنبياء مذمومٌ ، وقصَّة وجود هذه البقرة على ما روي أنَّ رجلاً من بني إِسرائيل ولد له ابنٌ ، وكانت له عِجْلَةٌ ، فأرسلها في غيضة ، وقال : اللهم ، إني قد استودعتُكَ هذه العِجْلَةَ لهذا الصبيِّ ، ومات الرجُلُ ، فلما كبر الصبيُّ قالت له أمه : إِن أباك كان قد استودع اللَّه عِجْلَةً لكَ ، فاذهب فخذْها ، فلما رأَتْه البقَرَة جاءت إلَيْه ، حتى أخذ بقرنَيْها ، وكانت مستوحشةً فجعل يقودها نحو أمه ، فلقيه بنو إسرائيل ، ووجدوا بقرته على الصِّفَة التي أمروا بها ، فلمَّا وجدت البقرة ساموا صاحبها ، فاشتط عليهم ، فَأَتَوْا به موسى عليه السلام ، وقالوا له : إِن هذا اشتطَّ علينا ، فقال لهم موسى : أرضُوهُ في مِلْكِه ، فاشتروها منه بِوَزْنِهَا مرَّةً ، قاله عَبِيدة السَّلْمَانِيُّ ، وقيل : بوزنها مرتَيْنِ وقيل : بوزنها عشْرَ مرَّات ، وقال مجاهد : كانت لرجل يبَرُّ أمه ، وأخذت منه بملْء جلْدها دنانير .

و{ الئان } : مبنيٌّ على الفتح ، معناه : هذا الوقت ، وهو عبارة عما بين الماضِي والمستقبلِ ، و{ جِئْتَ بالحق } معناه : عند من جعلهم عُصَاةً بيَّنْتَ لنا غاية البيانِ ، وهذه الآية تعطي أن الذَّبْح أصل في البقر وإن نحرت أَجْزَأَ .

وقوله تعالى : { وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ }[ البقرة :71 ] .

عبارة عن تثبُّطهم في ذَبْحِها ، وقلَّة مبادرتهم إلى أمر اللَّه تعالى ، وقال محمَّد بن كَعْب القُرَظِيُّ : كان ذلك منهم لغلاء البَقَرة ، وقيل كان ذلك خوف الفَضيحة في أمر القاتل .