قوله تعالى : { لله ما في السماوات وما في الأرض } . ملكاً وأهلها له عبيد وهو مالكهم .
قوله تعالى : { وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شيء قدير } . اختلف العلماء في هذه الآية ، فقال قوم : هي خاصة ثم اختلفوا في وجه خصوصها فقال بعضهم : هي متصلة بالآية الأولى ، نزلت في كتمان الشهادة معناه : وإن تبدو ما في أنفسكم أيها الشهود من كتمان الشهادة أو تخفوا الكتمان يحاسبكم به الله وهو قول الشعبي وعكرمة ، وقال بعضهم : نزلت فيمن يتولى الكافرين دون المؤمنين ، يعني : وإن تعلنوا ما في أنفسكم من ولاية الكفار أو تسروه يحاسبكم به الله ، وهو قول مقاتل كما ذكر في سورة آل عمران ( لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ) إلى أن قال { قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله ) . وذهب الأكثرون إلى أن الآية عامة . ثم اختلفوا فيها فقال قوم : هي منسوخة بالآية التي بعدها .
والدليل عليه ما أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر ، أخبرنا عبد الغافر بن محمد ، أخبرنا محمد بن عيسى الجلودي ، حدثنا إبراهيم بن سفيان ، أنا مسلم بن الحجاج ، حدثني محمد بن المنهال الضرير وأمية بن بسطام العيشي واللفظ له ، قالا : أخبرنا يزيد بن زريع ، أنا روح وهو ابن القاسم عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : " لما أنزل الله على رسوله الله صلى الله عليه وسلم ( لله ما في السماوات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله ) الآية قال : اشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم بركوا على الركب فقالوا : أي لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، كلفنا من الأعمال ما نطيق : الصلاة والصيام والجهاد والصدقة ، وقد أنزلت عليك هذه الآية ولا نطيقها ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلمك أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم : سمعنا وعصينا ؟ بل قولوا { سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير } فلما قرأها القوم وذلت بها ألسنتهم أنزل الله في أثرها ( آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير ) فلما فعلوا ذلك نسخها الله تعالى : { لا يكلف الله نفساً إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا } قال نعم { ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا } قال نعم { ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به } قال نعم { واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين } قال نعم .
وروى سعيد بن جبير ، عن ابن عباس رضي الله عنهما بمعناه ، وقال في كل ذلك : " قد فعلت " ، بدل قوله " نعم " ، وهذا قول ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهما وابن عمر ، وإليه ذهب محمد بن سيرين ، ومحمد بن كعب ، وقتادة والكلبي .
أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي ، أخبرنا أبو محمد عبد الله ابن يوسف الأصفهاني ، أخبرنا أبو بكر أحمد بن إسحاق الفقيه ، أخبرنا يعقوب بن يوسف القزويني ، أخبرنا القاسم بن الحكم المغربي ، أخبرنا مسعر بن كدام عن قتادة عن زرارة بن أوفى عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله تجاوز عن أمتي ما وسوست به أنفسها ما لم تتكلم أو يعملوا به " .
وقال بعضهم الآية غير منسوخة لأن النسخ لا يرد على الأخبار إنما يرد على الأمر والنهي وقوله ( يحاسبكم به الله ) خبر لا يرد عليه النسخ ، ثم اختلفوا في تأويلها فقال قوم : قد أثبت الله تعالى للقلب كسباً ، فقال : ( بما كسبت قلوبكم ) فليس لله عبد أسر عملاً ، أو أعلنه من حركة من جوارحه أو همسة في قلبه إلا يخبره الله به ، ويحاسبه عليه ثم يغفر ما يشاء ويعذب بما يشاء ، وهذا معنى قول الحسن يدل عليه قوله تعالى ( إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا ) وقال الآخرون : معنى الآية أن الله عز وجل يحاسب خلقه بجميع ما أبدوا من أعمالهم أو أخفوه ، ويعاقبهم عليه ، غير أن معاقبته على ما أخفوه مما لم يعلموه بما يحدث لهم في الدنيا من النوائب والمصائب والأمور التي يحزنون عليها ، وهذا قول عائشة رضي الله عنها قالت : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية فقال : " يا عائشة هذه معاتبة الله العبد بما يصيبه من الحمى والنكبة حتى الشوكة والبضاعة يضعها في كمه ، فيفقدها فيروع لها حتى يخرج من ذنوبه كما يخرج التبر الأحمر من الكير " .
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أخبرنا أبو منصور السمعاني ، أخبرنا أبو جعفر الزياتي ، أخبرنا حميد بن زنجويه ، أخبرنا عبد الله بن صالح ، حدثني الليث ، حدثني يزيد بن أبي حبيب عن سعيد بن سنان عن أنس بن مالك رضوان الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا ، وإذا أراد الله بعبده الشر بعبده أمسك عليه بذنبه حتى يوافيه به يوم القيامة " .
وقال بعضهم : { وإن تبدوا ما في أنفسكم } . يعني ما في قلوبكم مما عزمتم عليه ( أو تخفوه يحاسبكم به الله ) ولا تبدوه وأنتم عازمون عليه يحاسبكم به الله ، فأما ما حدثت به أنفسكم مما لم تعزموا عليه فإن ذلك مما لا يكلف الله نفساً إلا وسعها ولا يؤاخذكم به ، دليله قوله تعالى ( لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم ) .
وقال عبد الله بن المبارك قلت لسفيان : أيؤاخذ العبد بالهمة ؟ قال : إذا كان عزماً أخذ بها ، وقيل معنى المحاسبة الإخبار والتعريف ، ومعنى الآية : وإن تبدوا ما في أنفسكم فتعملوا به ، أو تخفوه مما أضمرتم ونويتم يحاسبكم به الله ويخبركم به ويعرفكم إياه ، ثم يغفر للمؤمنين إظهاراً لفضله ، ويعذب الكافرين إظهاراً لعدله ، وهذا معنى قول الضحاك ، ويروى ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما ، يدل عليه أنه قال : { يحاسبكم به الله } ولم يقل : يؤاخذكم به ، والمحاسبة غير المؤاخذة والدليل عليه ، ما أخبرنا أبو طاهر محمد بن علي الزراد ، أخبرنا أبو القاسم علي بن أحمد الخزاعي ، أنا أبو سعيد الهيثم بن كليب ، أنا عيسى بن أحمد العسقلاني ، أنا يزيد بن هارون ، أنا همام بن يحيى ، عن قتادة عن صفوان بن محرز قال : كنت آخذاً بيد عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأتاه رجل فقال : كيف سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في النجوى ؟ فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الله تعالى يدني المؤمن يوم القيامة حتى يضع عليه كنفه يستره من الناس فيقول : أي عبدي أتعرف ذنب كذا وكذا ؟ فيقول : نعم أي رب ، ثم يقول : أي عبدي تعرف ذنب كذا وكذا ؟ فيقول : نعم أي رب ، حتى إذا قرره بذنوبه ورأى في نفسه أنه قد هلك ، قال : فإني سترتها عليك في الدنيا وقد غفرتها لك اليوم ، ثم يعطى كتاب حسناته ، وأما الكافر والمنافقون فيقول الأشهاد : ( هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين ) .
قوله تعالى : { فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء } . رفع الراء والياء أبو جعفر وابن عامر وعاصم ويعقوب وجزمهما الآخرون ، فالرفع على الابتداء والجزم على النسق .
وروى طاووس عن ابن عباس رضي الله عنهما ، ( فيغفر لمن يشاء ) الذنب العظيم ( ويعذب من يشاء ) على الذنب الصغير ، ( لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ) .
{ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }
هذا إخبار من الله أنه له ما في السماوات وما في الأرض ، الجميع خلقهم ورزقهم ودبرهم لمصالحهم الدينية والدنيوية ، فكانوا ملكا له وعبيدا ، لا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا ، وهو ربهم ومالكهم الذي يتصرف فيهم بحكمته وعدله وإحسانه ، وقد أمرهم ونهاهم وسيحاسبهم على ما أسروه وأعلنوه ، { فيغفر لمن يشاء } وهو لمن أتى بأسباب المغفرة ، ويعذب من يشاء بذنبه الذي لم يحصل له ما يكفره { والله على كل شيء قدير } لا يعجزه شيء ، بل كل الخلق طوع قهره ومشيئته وتقديره وجزائه .
وبعد هذا البيان الجامع الحكيم لطرق التعامل التي أباحها الله - تعالى - لعباده والتي حرمها عليهم ، بين سبحانه - أن ما في السموات والأرض ملك له ، وأنه سيحاسب عباده بما يقتضيه علمه الشامل ، وإرادته النافذة فقال - تعالى - .
{ للَّهِ ما فِي السماوات وَمَا فِي . . . }
لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ( 284 )
ما دام الأمر كذلك فعليكم - أيها المؤمنون - أن تبذلوا نهاية جهدكم في العمل الصالح الذي بين أيديكم إنما هو عارية مستردة ، وأن المالك الحقيقي له إنما هو الله رب العالمين ، فأنفقوا من هذا المال - الذي هو أمانة بين أديكم - في وجوه الخير واجمعوه م نطريق حلال ، وكونوا من القوم العقلاء الصالحين الذين لم تشغلهم دنياهم عن أخراهم ، بل كانوا كما قالوا : { رَبَّنَآ آتِنَا فِي الدنيا حَسَنَةً وَفِي الآخرة حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النار } وقوله - سبحانه - : { وَإِن تُبْدُواْ مَا في أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ الله } بيان لشمول علم الله - تعالى - لما أظهره الإِنسان أو أخفاه من أقوال وأعمال ، وأنه سيحاسبه على ذلك بما يستحقه من خير أو شر .
والجملة الكريمة صريحة في أن الله - تعالى - يحاسب العباد على نياتهم وما تكسبه قلوبهم سواء أأخفوه أم أظهروه .
وقد بين المحققون من العلماء أن هذه المحاسبة إنم اتكون على ما يعزم عليه الإِنسان وينويه ويصر على فعله ، سواء أنفذ ما اعتزم عليه أم حالت دونه حوائل خارجة عن إرادته : كمن عزم على السرقة واتخذ الوسائل لذلك ولكن لم يستطع التنفيذ لأسباب لم يتمكن معها من السرقة التي أصر عليها .
أما الخواطر النفسية التي تجول في النفس ، وتعرض للإِنسان دون أن يعزم على تنفيذها ، فإنها ليست موضع مؤاخذة ، بل إن التغلب عليها ، وكفها بعد مكافحتها يجعله أهلاً للثواب .
ففي الحصحين عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قال الله - تعالى - : إذا هم عبدى بسيئة فلا تكتبوها عليه فإن عملها فاكتبوها سيئة ، وإذا هم بحسنة فلم يعملها فاكتبوها حسنة ، فإن عملها فاكتبوها عشر " .
وروى الجماعة في كتبهم عن أبي هريرة قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الله تجاوزوا لي عن أمتي ما وسوست به صدورها ما لم تعمل أو تتكلم " .
قال الفخر الرازي : الخواطر الحاصلة في القلب على قسمين : فمنها ما يوطن الإِنسان نفسه عليه ويعزم على إدخاله في الوجود ، ومنها ما لا يكون كذلك ، بل تكون أموراً خاطرة بالبال مع أن الإِنسان يكرهها ولكنه لا يمكنه دفعها عن النفس .
فالقسم الأول يكون مؤاخذاً به .
والثاني لا يكون مؤاخذاً به ، ألا ترى إلى قوله - تعالى - : { لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ الله باللغو في أَيْمَانِكُمْ ولكن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ } وقال الآلوسي : المؤاخذة على تصميم العزم على إيقاع المعصية في الأعيان وهو من الكيفيات النفسانية التي تلحق بالملكات ، وليس كذلك سائر ما يحدث في النفس - أي من خواطر لا تصميم ولا عزم معها - قال بعضهم :
مراتب القصد خمس هاجس ذكروا . . . فخاطر فحديث النفس فاستمعا
يليه هم فعزم كلها رفعت . . . سوى الأخير ففيه الأخذ قد وقعا
وقوله - تعالى - : { فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ } بيان لنتيجة المحابة التي تكون من الخالق - عز وجل - لعباده .
أي : أنه - سبحانه - بمقتضى علمه الشامل ، وإرادته النافذة ، يحاسب عباده على ما أسروه وما أعلنوه من أقوال وأعمال ، فيغفر بفضله لمن يشاء أو يغفر له ، ويعذب بعدله من يشاء أن يعذبه ، لا راد لمشيئته ولا معقب لحكمه .
وقوله : ( فيغفر ) ويعذب ، قرأه عاصم وابن عامر ويعقوب وأبو جعفر برفع الراء والباء على الاستئناف أي فهو يغفر : وقرأ الباقون بإسكانهما عطفاً على جواب الشرط وهو قوله : { يُحَاسِبْكُمْ } .
وقوله : { والله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } تذييل مقرر لمضمون ما قبله فإن كمال قدرته - سبحانه - على جميع الأشياء موجب لقدرته على ما سبق ذكره من المحاسبة لعباده ، وإثابة من يشاء إثابته وتعذيب من يشاء تعذيبه ، فهو القاهر فوق عباده ، وهو الحكيم الخبير .
ثم يستمر السياق في توكيد هذه الإشارة ، واستجاشة القلب للخوف من مالك السماوات والأرض وما فيهما ، العليم بمكنونات الضمائر خفيت أم ظهرت ، المجازي عليها ، المتصرف في مصائر العباد بما يشاء من الرحمة والعذاب ، القدير على كل شيء تتعلق به مشيئته بلا تعقيب !
( لله ما في السماوات وما في الأرض . وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله ، فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ، والله على كل شيء قدير ) .
وهكذا يعقب على التشريع المدني البحت بهذا التوجيه الوجداني البحت ؛ ويربط بين التشريعات للحياة وخالق الحياة ، بذلك الرباط الوثيق ، المؤلف من الخوف والرجاء في مالك الأرض والسماء . فيضيف إلى ضمانات التشريع القانونية ضمانات القلب الوجدانية . . وهي الضمان الوثيق المميز لشرائع الإسلام في قلوب المسلمين في المجتمع المسلم . . وهي والتشريع في الإسلام متكاملان . فالإسلام يصنع القلوب التي يشرع لها ؛ ويصنع المجتمع الذي يقنن له . صنعة إلهية متكاملة متناسقة . تربية وتشريع . وتقوى وسلطان . . ومنهج للإنسان من صنع خالق الإنسان . فأنى تذهب شرائع الأرض ، وقوانين الأرض ، ومناهج الأرض ؟ أنى تذهب نظرة إنسان قاصر ، محدود العمر ، محدود المعرفة ، محدود الرؤية ، يتقلب هواه هنا وهناك ، فلا يستقر على حال ، ولا يكاد يجتمع اثنان منه على رأي ، ولا على رؤية ، ولا على إدراك ؟ وأنى تذهب البشرية شاردة عن ربها . ربها الذي خلق ، والذي يعلم من خلق ، والذي يعلم ما يصلح لخلقه ، في كل حالة وفي كل آن ؟
ألا إنها الشقوة للبشرية في هذا الشرود عن منهج الله وشرعه . الشقوة التي بدأت في الغرب هربا من الكنيسة الطاغية الباغية هناك ؛ ومن إلهها الذي كانت تزعم أنها تنطق باسمه وتحرم على الناس أن يتفكروا وأن يتدبروا ؛ وتفرض عليهم باسمه الإتاوات الباهظة والاستبداد المنفر . . فلما هم الناس أن يتخلصوا من هذا الكابوس ، تخلصوا من الكنيسة وسلطانها . ولكنهم لم يقفوا عند حد الاعتدال ، فتخلصوا كذلك من إله الكنيسة وسلطانه ! ثم تخلصوا من كل دين يقودهم في حياتهم الأرضية بمنهج الله . . وكانت الشقوة وكان البلاء ! !
فأما نحن - نحن الذين نزعم الإسلام - فما بالنا ؟ ما بالنا نشرد عن الله ومنهجه وشريعته وقانونه ؟ ما بالنا وديننا السمح القويم لم يفرض علينا إلا كل ما يرفع عنا الأغلال ، ويحط عنا الأثقال ، ويفيض علينا الرحمة والهدى واليسر والاستقامة على الطريق المؤدي إليه وإلى الرقي والفلاح ؟ !
{ للّهِ ما فِي السّمَاواتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَإِن تُبْدُواْ مَا فِيَ أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللّهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذّبُ مَن يَشَآءُ وَاللّهُ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }
يعني جل ثناؤه بقوله : { لِلّهِ مَا فِي السّمَوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ } لله ملك كل ما في السموات وما في الأرض من صغير وكبير ، وإليه تدبير جميعه ، وبيده صرفه وتقليبه ، لا يخفى عليه منه شيء ، لأنه مدبره ومالكه ومصرّفه . وإنما عنى بذلك جلّ ثناؤه : كتمان الشهود الشهادة ، يقول : لا تكتموا الشهادة أيها الشهود ، ومن يكتمها يفجر قلبه ، ولن يخفى عليّ كتمانه ، وذلك لأني بكل شيء عليم ، وبيدي صرف كل شيء في السموات والأرض وملكه ، أعلمه خفيّ ذلك وجلّيه ، فاتقوا عقابي إياكم على كتمانكم الشهادة . وعيدا من الله بذلك من كتمها وتخويفا منه له به . ثم أخبرهم عما هو فاعل بهم في آخرتهم ، وبمن كان من نظرائهم ممن انطوى كشحا على معصية فأضمرها ، أو أظهر موبقة فأبداها من نفسه من المحاسبة عليها ، فقال : { وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أنْفُسِكُمْ أوْ تُخْفُوهُ } يقول : وإن تظهروا فيما عندكم من الشهادة على حقّ ربّ المال الجحود والإنكار ، أو تخفوا ذلك فتضمروه في أنفسكم وغير ذلك من سيىء أعمالكم ، { يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللّهُ } يعني بذلك : يحتسب به عليكم من أعماله ، فيجازي من شاء منكم من المسيئين بسوء عمله ، وغافر منكم لمن شاء من المسيئين .
ثم اختلف أهل التأويل فيما عنى بقوله : { وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أنْفُسِكُمْ أوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللّهُ } فقال بعضهم بما قلنا من أنه عنى به الشهود في كتمانهم الشهادة ، وأنه لاحق بهم كل من كان من نظرائهم ممن أضمر معصية أو أبداها . ذكر من قال ذلك :
حدثني أبو زائدة زكريا بن يحيى بن أبي زائدة ، قال : حدثنا أبو نفيل ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن مجاهد ، عن ابن عباس في قوله : { وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أنْفُسِكُمْ أوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللّهُ } يقول : يعنِي في الشهادة .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا سفيان ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن مقسم ، عن ابن عباس في قوله : { وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أنْفُسِكُمْ أوْ تُخْفُوهُ } قال : في الشهادة .
حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا عبد الأعلى ، قال : سئل داود عن قوله : { وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أنْفُسِكُمْ أوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللّهُ } فحدثنا عن عكرمة ، قال : هي الشهادة إذا كتمتها .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن عمرو وأبي سعيد ، أنه سمع عكرمة يقول في هذه الآية : { وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أنْفُسِكُمْ أوْ تُخْفُوهُ } قال : في الشهادة .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا سفيان ، عن السدي ، عن الشعبي في قوله : { وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أنْفُسِكُمْ أوْ تُخْفُوهُ } قال : في الشهادة .
حدثنا يعقوب ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا يزيد بن أبي زياد ، عن مقسم ، عن ابن عباس ، أنه قال في هذه الآية : { وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أنْفُسِكُمْ أوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللّهُ } قال : نزلت في كتمان الشهادة وإقامتها .
حدثني يحيى بن أبي طالب قال : أخبرنا يزيد ، قال : أخبرنا جويبر ، عن عكرمة في قوله : { وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أنْفُسِكُمْ أوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللّهُ } يعني كتمان الشهادة وإقامتها على وجهها .
وقال آخرون : بل نزلت هذه الآية إعلاما من الله تبارك وتعالى عباده أنه مؤاخذهم بما كسبته أيديهم وحدثتهم به أنفسهم مما لم يعملوه . ثم اختلف متأوّلو ذلك كذلك ، فقال بعضهم : ثم نسخ الله ذلك بقوله : { لاَ يُكَلّفُ اللّهُ نَفْسا إِلاّ وُسْعَها لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ } . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا إسحاق بن سليمان ، عن مصعب بن ثابت ، عن العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، قال : لما نزلت : { لِلّهِ مَا فِي السّمَوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أنْفُسِكُمْ أوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللّهُ } اشتدّ ذلك على القوم ، فقالوا : يا رسول الله إنا لمؤاخذون بما نحدّث به أنفسنا ؟ هلكنا ! فأنزل الله عزّ وجلّ : { لاَ يُكْلّفُ اللّهُ نَفْسا إِلاّ وُسْعَها } الآية ، إلى قوله : { رَبّنا لا تُوءَاخِذْنَا إِنْ نَسِينا أوْ أخْطأْنَا } قال أبي : قال أبو هريرة : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «قال الله : نَعَمْ » . { رَبّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرا كَمَا حَمَلْتَهُ على الّذِينَ مِنْ قَبْلِنا } إلى آخر الآية ، قال أبي : قال أبو هريرة : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «قال الله عزّ وجلّ نعم » .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، وحدثنا سفيان بن وكيع ، قال : حدثنا سفيان ، عن آدم بن سليمان مولى خالد بن خالد ، قال : سمعت سعيد بن جبير يحدّث عن ابن عباس قال : لما نزلت هذه الآية : { إِنْ تُبْدُوا مَا فِي أنْفُسِكُمْ أوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنَ يَشَاءُ وَيُعَذّبُ مَنْ يَشاءُ } دخل قلوبهم منها شيء لم يدخلها من شيء ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «سَمِعْنا وأطَعْنا وَسَلّمْنَا » . قال : فألقى الله عزّ وجلّ الإيمان في قلوبهم ، قال : فأنزل الله عزّ وجلّ : { آمَنَ الرّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبّهِ } . قال أبو كريب : فقرأ : { رَبّنَا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أوْ أخْطأْنا } قال : فقال : «قد فعلت » . { رَبّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلى الّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا } قال : «قد فعلت » . { رَبّنا ولا تُحَمّلْنا ما لا طاقَةَ لَنَا بِهِ } قال : «قد فعلت » . { وَاعْفُ عَنّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلاَنَا فَانْصُرْنَا عَلَى القَوْمِ الكافِرِينَ } قال : «قد فعلت » .
حدثني أبو الرداد المصري عبد الله بن عبد السلام ، قال : حدثنا أبو زرعة وهب الله بن راشد ، عن حيوة بن شريح ، قال : سمعت يزيد بن أبي حبيب ، يقول : قال ابن شهاب : حدثني سعيد بن مرجانة ، قال : جئت عبد الله بن عمر ، فتلا هذه الآية : { وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أنْفُسِكُمْ أوْ تُخْفُوهُ يحاسِبْكُمْ بِهِ اللّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذّبُ مَنْ يَشَاءُ } . ثم قال ابن عمر : لئن آخذنا بهذه الآية لنهلكنّ . ثم بكى ابن عمر حتى سالت دموعه . قال : ثم جئت عبد الله بن العباس ، فقلت : يا أبا عباس ، إني جئت ابن عمر فتلا هذه الآية : { وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أنْفُسِكُمْ أوْ تُخْفُوهُ } . . . الآية ، ثم قال : لئن واخذنا بهذه الآية لنهلكنّ ! ثم بكى حتى سالت دموعه . فقال ابن عباس : يغفر الله لعبد الله بن عمر لقد فرِق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منها كما فرق ابن عمر منها ، فأنزل الله : { لاَ يُكَلّفُ اللّهُ نَفْسا إِلاّ وُسْعَها لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ } فنسخ الله الوسوسة ، وأثبت القول والفعل .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني يونس بن يزيد ، عن ابن شهاب ، عن سعيد بن مرجانة يحدّث : أنه بينا هو جالس سمع عبد الله بن عمر تلا هذه الآية : { لِلّهِ مَا فِي السّمَوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أنْفُسِكُمْ أوْ تُخْفُوهُ } . . . الآية ، فقال : والله لئن آخذنا الله بهذا لنهلكنّ ! ثم بكى ابن عمر حتى سمع نشيجه . فقال ابن مرجانة : فقمت حتى أتيت ابن عباس ، فذكرت له ما تلا ابن عمر ، وما فعل حين تلاها ، فقال عبد الله بن عباس : يغفر الله لأبي عبد الرحمن ، لعمري لقد وجد المسلمون منها حين أنزلت مثل ما وجد عبد الله بن عمر ، فأنزل الله بعدها : { لاَ يُكَلّفُ اللّهُ نَفْسا إِلاّ وُسْعَها } إلى آخر السورة . قال ابن عباس : فكانت هذه الوسوسة مما لا طاقة للمسلمين بها ، وصار الأمر إلى أن قضى الله عزّ وجلّ : أن للنفس ما كسبت وعليها ما اكتسبت في القول والفعل .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، قال : سمعت الزهري يقول في قوله : { وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أنْفُسِكُمْ أوْ تُخْفُوهُ } قال : قرأها ابن عمر ، فبكى وقال : إنا لمؤاخذون بما نحدّث به أنفسنا ! فبكى حتى سمع نشيجه ، فقام رجل من عنده ، فأتى ابن عباس ، فذكر ذلك له ، فقال : رحم الله ابن عمر لقد وجد المسلمون نحوا مما وجد ، حتى نزلت : { لاَ يُكَلّفُ اللّهُ نَفْسا إِلاّ وُسْعَها لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ } .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الرزاق ، عن جعفر بن سليمان ، عن حميد الأعرج ، عن مجاهد قال : كنت عند ابن عمر فقال : { وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أنْفُسِكُمْ أوْ تُخْفوهُ } . . . الآية . فبكى ! فدخلت على ابن عباس ، فذكرت له ذلك ، فضحك ابن عباس فقال : يرحم الله ابن عمر ، أو ما يدري فيم أنزلت ؟ إن هذه الآية حين أنزلت غمت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم غما شديدا ، وقالوا : يا رسول الله هلكنا ! فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : «قُولُوا سَمِعْنَا وأطَعْنا » ، فنسختها : { آمَنَ الرّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبّهِ وَالمُؤمِنُونَ كُلّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرّقُ بَيْنَ أحَدٍ مِنْ رُسلِهِ } إلى قوله : { وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ } فتجوّز لهم من حديث النفس ، وأخذوا بالأعمال .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا يزيد بن هارون ، عن سفيان بن حسين ، عن الزهري ، عن سالم أن أباه قرأ : { وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أنْفُسِكُمْ أوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللّهُ } فدمعت عينه . فبلغ صنيعه ابن عباس ، فقال : يرحم الله أبا عبد الرحمن ! لقد صنع كما صنع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزلت ، فنسختها الآية التي بعدها : { لا يُكَلّفُ اللّهُ نَفْسا إِلاّ وُسْعَها } .
حدثنا محمد بن بشار ، قال أبو أحمد ، قال : حدثنا سفيان ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، قال : نسخت هذه الآية : { إِنْ تُبْدُوا مَا فِي أنْفُسِكُمْ أوْ تُخْفوهُ } : { لا يُكَلّفُ اللّهُ نَفْسا إِلاّ وُسْعَها } .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا سفيان ، عن آدم بن سليمان ، عن سعيد بن جبير ، قال : لما نزلت هذه الآية : { إِنْ تُبْدُوا مَا فِي أنْفُسِكُمْ أوْ تُخْفُوهُ } قالوا : أنؤاخذ بما حدثنا به أنفسنا ولم تعمل به جوارحنا ؟ قال : فنزلت هذه الآية : { لاَ يُكَلّفُ اللّهُ نَفْسا إِلاّ وُسْعَها لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبّنَا لاَ تُوءَاخَذْنا إِنْ نَسِينا أوْ أخْطأْنا } قال : ويقول : قد فعلت . قال : فأعطيت هذه الأمة خواتيم سورة البقرة ، لم تعطها الأمم قبلها .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا جرير بن نوح ، قال : حدثنا إسماعيل ، عن عامر : { إِنْ تُبْدُوا مَا فِي أنْفُسِكُمْ أوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذّبُ مَنْ يَشَاءُ } قال : فنسختها الآية بعدها قوله : { لاَ يُكَلّفُ اللّهُ نَفْسا إِلاّ وُسْعَها لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ } .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن الشعبي : { إِنْ تُبْدُوا مَا فِي أنْفُسِكُمْ أوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللّهُ } قال : نسختها الآية التي بعدها : { لاَ يُكَلّفُ اللّهُ نَفْسا إِلاّ وُسْعَها } . وقوله : { وَإِنْ تُبْدُوا } قال : يحاسب بما أبدى من سرّ أو أخفى من سرّ ، فنسختها التي بعدها .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا سيار ، عن الشعبي ، قال : لما نزلت هذه الآية : { إِنْ تُبْدُوا مَا فِي أنْفُسِكُمْ أوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذّبُ مَنْ يَشَاءُ } قال : فكان فيها شدة حتى نزلت هذه الآية التي بعدها : { لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ } قال : فنسخت ما كان قبلها .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، عن ابن عون ، قال : ذكروا عند الشعبي : { إِنْ تُبْدُوا مَا فِي أنْفُسِكُمْ أوْ تُخْفُوهُ } حتى بلغ : { لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ } قال : فقال الشعبي : إلى هذا صار ، رجعت إلى آخر الآية .
حدثني يحيى بن أبي طالب ، قال : أخبرنا يزيد ، قال : أخبرنا جويبر ، عن الضحاك في قوله : { إِنْ تُبْدُوا مَا فِي أنْفُسِكُمْ أوْ تُخْفُوهُ } قال : قال ابن مسعود : كانت المحاسبة قبل أن تنزل : { لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ } فلما نزلت نسخت الآية التي كانت قبلها .
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك ، يذكر عن ابن مسعود ، نحوه .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن بيان ، عن الشعبي ، قال : نسخت : { إِنْ تُبْدُوا مَا فِي أنْفُسِكُمْ أوْ تُخْفُوهُ } : { لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ } .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن موسى بن عبيدة ، عن محمد بن كعب وسفيان ، عن جابر ، عن مجاهد ، وعن إبراهيم بن مهاجر ، عن مجاهد ، قالوا : نسخت هذه الآية : { لاَ يُكَلّفُ اللّهُ نَفْسا إِلاّ وُسْعَها } : { إِنْ تُبْدُوا مَا فِي أنْفُسِكُمْ أوْ تُخْفوهُ } . . . الآية .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن إسرائيل ، عن جابر ، عن عكرمة وعامر ، بمثله .
حدثنا المثنى ، قال : حدثنا الحجاج ، قال : حدثنا حماد بن حميد ، عن الحسن في قوله : { إِنْ تُبْدُوا مَا فِي أنْفُسِكُمْ أوْ تُخْفُوهُ } إلى آخر الآية ، قال : محتها : { لاَ يُكَلّفُ اللّهُ نَفْسا إِلاّ وُسْعَها لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ } .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، أنه قال : نسخت هذه الآية ، يعني قوله : { لاَ يُكَلّفُ اللّهُ نَفْسا إِلاّ وُسْعَها } . . . الآية التي كانت قبلها : { إنْ تُبْدُوا مَا فِي أنْفُسِكُمْ أوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللّهُ } .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : { إِنْ تُبْدُوا مَا فِي أنْفُسِكُمْ أوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللّهُ } قال : نسختها قوله : { لاَ يُكَلّفُ اللّهُ نَفْسا إِلاّ وُسْعَها } .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : ثني ابن زيد ، قال : لما نزلت هذه الآية : { إِنْ تُبْدُوا ما فِي أنْفُسِكُمْ أوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللّهُ } . . . إلى آخر الآية ، اشتدّت على المسلمين ، وشقت مشقة شديدة ، فقالوا : يا رسول الله لو وقع في أنفسنا شيء لم نعمل به واخذنا الله به ؟ قال : «فَلَعَلّكُمْ تَقُولُونَ كَما قَالَ بَنُو إِسْرَائِيلَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنا » ، قالوا : بل سمعنا وأطعنا يا رسول الله . قال : فنزل القرآن يفرجها عنهم : { آمَنَ الرّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبّهِ وَالمُوءْمِنُونَ كُلّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ } إلى قوله : { لاَ يُكَلّفُ اللّهُ نَفْسا إِلاّ وُسْعَها لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ } قال : فصيره إلى الأعمال ، وترك ما يقع في القلوب .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا الحجاج ، قال : حدثنا هشيم ، عن سيار ، عن أبي الحكم ، عن الشعبي ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله بن مسعود في قوله : { إِنْ تُبْدُوا مَا فِي أنْفُسِكُمْ أوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللّهُ } قال : نسخت هذه الآية التي بعدها : { لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ } .
حدثني موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي قوله : { إِنْ تُبْدُوا ما فِي أنْفُسِكُمْ أوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللّهُ } قال : يوم نزلت هذه الآية كانوا يؤاخذون بما وسوست به أنفسهم وما عملوا ، فشكوا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : إن عمل أحدنا وإن لم يعمل أُخذنا به ؟ والله ما نملك الوسوسة ! فنسخها الله بهذه الآية التي بعدها بقوله : { لاَ يُكَلّفُ اللّهُ نَفْسا إِلاّ وُسْعَها } فكان حديث النفس مما لم تطيقوا .
حدثت عن عمار ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن قتادة أن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت : نسختها قوله : { لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ } .
وقال آخرون ممن قال معنى ذلك : «الإعلام من الله عز وجل عباده أنه مؤاخذهم بما كسبته أيديهم وعملته جوارحهم ، وبما حدثتهم به أنفسهم مما لم يعلموه » . هذه الآية محكمة غير منسوخة ، والله عز وجل محاسب خلقه على ما عملوا من عمل وعلى ما لم يعملوه مما أصرّوه في أنفسهم ونووه وأرادوه ، فيغفره للمؤمنين ، ويؤاخذ به أهل الكفر والنفاق . ذكر من قال ذلك :
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس قوله : { إِنْ تُبْدُوا مَا فِي أنْفُسِكُمْ أوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللّهُ } فإنها لم تنسخ ، ولكن الله عزّ وجل إذا جمع الخلائق يوم القيامة ، يقول الله عزّ وجل : إني أخبركم بما أخفيتم في أنفسكم مما لم تطلع عليه ملائكتي ، فأما المؤمنون فيخبرهم ويغفر لهم ما حدّثوا به أنفسهم ، وهو قوله : { يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللّهُ } يقول : يخبركم . وأما أهل الشكّ والريب ، فيخبرهم بما أخفوا من التكذيب ، وهو قوله : { فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذّبُ مَنْ يَشَاءُ } وهو قوله : { وَلَكِنْ يُؤاخِذْكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ } من الشكّ والنفاق .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : { وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أنْفُسِكُمْ أوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللّهُ } فذلك سرّ عملكم وعلانيته ، يحاسبكم به الله ، فليس من عبد مؤمن يسر في نفسه خيرا ليعمل به ، فإن عمل به كتبت له به عشر حسنات ، وإن هو لم يقدر له أن يعمل به كتبت له به حسنة من أجل أنه مؤمن ، والله يرضى سرّ المؤمنين وعلانيتهم ، وإن كان سوءا حدّث به نفسه اطلع الله عليه وأخبره به يوم تبلى السرائر ، وإن هو لم يعمل به لم يؤاخذه الله به حتى يعمل به ، فإن هو عمل به تجاوز الله عنه ، كما قال : { أُولَئِكَ الّذِينَ نَتَقَبّلُ عَنْهُمْ أحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيّئَاتِهِمْ } .
حدثني يحيى بن أبي طالب ، قال : أخبرنا يزيد ، قال : أخبرنا جويبر ، عن الضحاك في قوله : { إِنْ تُبْدُوا مَا فِي أنْفُسِكُمْ أوْ تُخْفوهُ يُحاسِبْكُمْ اللّهُ } . . . الآية . قال : قال ابن عباس : إن الله يقول يوم القيامة : إن كتابي لم يكتبوا من أعمالكم إلا ما ظهر منها ، فأما ما أسررتم في أنفسكم فأنا أحاسبكم به اليوم ، فأغفر لمن شئت ، وأعذّب من شئت .
حدثني يحيى بن أبي طالب ، قال : أخبرنا عليّ بن عاصم ، قال : أخبرنا بيان ، عن بشر ، عن قيس بن أبي حازم ، قال : إذا كان يوم القيامة ، قال الله عزّ وجلّ يُسمِع الخلائق : إنما كان كتابي يكتبون عليكم ما ظهر منكم ، فأما ما أسررتم فلم يكونوا يكتبونه ، ولا يعلمونه ، أنا الله أعلم بذلك كله منكم ، فأغفر لمن شئت ، وأعذّب من شئت .
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ ، قال : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : { وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أنْفُسِكُمْ أوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللّهُ } كان ابن عباس يقول : إذا دعي الناس للحساب ، أخبرهم الله بما كانوا يسرّون في أنفسهم مما لم يعملوه ، فيقول : إنه كان لا يعزب عني شيء ، وإني مخبركم بما كنتم تسرّون من السوء ، ولم تكن حفظتكم عليكم مطلعين عليه . فهذه المحاسبة .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا أبو تميلة ، عن عبيد بن سليمان ، عن الضحاك ، عن ابن عباس ، نحوه .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع في قوله : { وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أنْفُسِكُمْ أوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمُ بِهِ اللّهُ } قال : هي محكمة لم ينسخها شيء ، يقول : يحاسبكم به الله ، يقول : يعرّفه الله يوم القيامة أنك أخفيت في صدرك كذا وكذا لا يؤاخذه .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن عمرو بن عبيد ، عن الحسن ، قال : هي محكمة لم تنسخ .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، قال : حدثنا ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : { وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أنْفُسِكُمْ أوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللّهُ } قال : من الشكّ واليقين .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله عزّ وجلّ : { وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أنْفُسِكُمْ أوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللّهُ } يقول : في اليقين والشك .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
فتأويل هذه الآية على قول ابن عباس الذي رواه عليّ بن أبي طلحة : { وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أنْفُسِكُمْ } من شيء من الأعمال ، فتظهروه بأبدانكم وجوارحكم ، أو تخفوه فتسرّوه في أنفسكم ، فلم يطلع عليه أحد من خلقي ، أحاسبكم به ، فأغفر كل ذلك لأهل الإيمان ، وأعذّب أهل الشرك والنفاق في ديني .
وأما على الرواية التي رواها عنه الضحاك من رواية عبيد بن سليمان عنه ، وعلى ما قاله الربيع بن أنس ، فإن تأويلها : إن تظهروا ما في أنفسكم فتعملوه من المعاصي ، أو تضمروا إرادته في أنفسكم ، فتخفوه ، يُعلمْكم به الله يوم القيامة ، فيغفر لمن يشاء ، ويعذّب من يشاء .
وأما قول مجاهد فشبيه معناه بمعنى قول ابن عباس الذي رواه عليّ بن أبي طلحة .
وقال آخرون ممن قال : «هذه الآية محكمة وهي غير منسوخة » ووافقوا الذين قالوا : «معنى ذلك أن الله عزّ وجلّ أعلم عباده ما هو فاعل بهم فيما أبدوا وأخفوا من أعمالهم » : معناها : أن الله محاسب جميع خلقه بجميع ما أبدوا من سيىء أعمالهم ، وجميع ما أسروه ، ومعاقبهم عليه ، غير أن عقوبته إياهم على ما أخفوه مما لم يعملوه ما يحدث لهم في الدنيا من المصائب ، والأمور التي يحزنون عليها ويألمون منها . ذكر من قال ذلك :
حدثني يحيى بن أبي طالب ، قال : حدثنا يزيد ، قال : أخبرنا جويبر ، عن الضحاك في قوله : { وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أنْفُسِكُمْ أوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللّهُ } . . . الآية ، قال : كانت عائشة رضي الله عنها تقول : من همّ بسيئة فلم يعملها أرسل الله عليه من الهمّ والحزن مثل الذي همّ به من السيئة فلم يعملها ، فكانت كفارته .
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ ، قال : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : { وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أنْفُسِكُمْ أوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللّهُ } قال : كانت عائشة تقول : كل عبد يهمّ بمعصية ، أَو يحدّث بها نفسه ، حاسبه الله بها في الدنيا ، يخاف ويحزن ويهتم .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني أبو تميلة ، عن عبيد ، عن الضحاك ، قال : قالت عائشة في ذلك : كل عبد همّ بسوء ومعصية ، وحدّث نفسه به ، حاسبه الله في الدنيا ، يخاف ويحزن ويشتدّ همه ، لا يناله من ذلك شيء ، كما همّ بالسوء ولم يعمل منه شيئا .
حدثنا الربيع ، قال : حدثنا أسد بن موسى ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن عليّ بن زيد ، عن أمه أنها سألت عائشة عن هذه الآية : { إِنْ تُبْدُوا ما فِي أنْفُسِكُمْ أوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللّهُ } ، { وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءا يُجْزَ بِهِ } فقالت : ما سألني عنها أحد مذ سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : «يا عائشة ، هذه مُتَابَعَةُ الله العبد بما يُصِيبُه من الحُمّى والنكْبَة والشّوْكَة ، حتى البضاعة يَضَعُها في كمّه فيفقدها فيفزع لها ، فيجدها في ضِبْنِهِ حتى إن المُوءْمِنَ لَيَخْرُجُ من ذنوبه كما يخرج التّبْرُ الأحمر من الكِيرِ » .
وأولى الأقوال التي ذكرناها بتأويل الآية قول من قال : إنها محكمة وليست بمنسوخة ، وذلك أن النسخ لا يكون في حكم إلا ينفيه بآخر له ناف من كل وجوهه ، وليس في قوله جلّ وعزّ : { لاَ يُكَلّفُ اللّهُ نَفْسا إِلاّ وُسْعَها لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ } نفي الحكم الذي أعلم عباده بقوله : { أوْ تُخْفوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللّهُ } لأن المحاسبة ليست بموجبة عقوبة ، ولا مؤاخذة بما حوسب عليه العبد من ذنوبه ، وقد أخبر الله عزّ وجلّ عن المجرمين أنهم حين تُعرض عليهم كتب أعمالهم يوم القيامة ، يقولون : { يا وَيْلَتَنَا ما لِهَذَا الكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً ولا كَبِيرَةً إِلاّ أحْصَاهَا } فأخبر أن كتبهم محصية عليهم صغائر أعمالهم وكبائرها ، فلم تكن الكتب وإن أحصت صغائر الذنوب وكبائرها بموجب إحصاؤها على أهل الإيمان بالله ورسوله وأهل الطاعة له ، أن يكونوا بكل ما أحصته الكتب من الذنوب معاقبين ، لأن الله عزّ وجلّ وعدهم العفو عن الصغائر باجتنابهم الكبائر ، فقال في تنزيله : { إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفّرْ عَنْكُمْ سَيّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيما } فدلّ أن محاسبة الله عباده المؤمنين بما هو محاسبهم به من الأمور التي أخفتها أنفسهم غير موجبة لهم منه عقوبة ، بل محاسبته إياهم إن شاء الله عليها ليعرّفهم تفضله عليهم بعفوه لهم عنها كما بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخبر الذي :
حدثني به أحمد بن المقدام ، قال : حدثنا المعتمر بن سليمان ، قال : سمعت أبي ، عن قتادة ، عن صفوان بن محرز ، عن ابن عمر ، عن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم قال : «يُدْنِي اللّهُ عَبْدَهُ المُوءْمِنُ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتّى يَضَعَ عَلَيْهِ كَنَفَهُ فَيُقَرّرُهُ بِسَيّئَاتِهِ يَقُولُ : هَلْ تَعْرِفُ ؟ فَيَقُولُ نَعَمْ ، فَيَقُولُ : سَتَرْتُها فِي الدّنْيَا وأغْفِرُها اليَوْمَ . ثُمّ يُظْهِرُ لَهُ حَسَنَاتِهِ ، فَيَقُولُ : هاومُ اقْرَءُوا كِتابِيَهْ » أو كما قال : «وأمّا الكَافِرُ ، فَإِنّهُ يُنَادَى بِهِ عَلى رُءُوسِ الأشْهادِ » .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا ابن أبي عديّ وسعيد وهشام ، وحدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، قال : أخبرنا هشام ، قالا جميعا في حديثهما ، عن قتادة ، عن صفوان بن محرز ، قال : بينما نحن نطوف بالبيت مع عبد الله بن عمر وهو يطوف ، إذ عرض له رجل ، فقال : يا ابن عمر أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في النجوى ؟ فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «يَدْنُو المُوءْمِنُ مِنْ رَبّهِ حتّى يَضَعَ عَلَيْهِ كَنَفَهُ فَيُقَرّرُهُ بِذُنُوبِهِ ، فَيَقُولُ : هَلْ تَعْرِفُ كَذَا ؟ فَيَقُولُ : رَبّ اغْفِرْ مَرّتَيْنِ ، حتى إذَا بَلَغَ بِهِ مَا شَاءَ اللّهُ أنْ يَبْلُغَ قَالَ : فَإِنّي قَدْ سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدّنْيا ، وأنا أغْفِرُها لَكَ اليَوْمَ » ، قال : «فَيُعْطَى صَحِيفَةَ حَسَنَاتِهِ أوْ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ . وأمّا الكُفّارُ وَالمُنَافِقُونَ ، فَيُنَادَى بِهِمْ على رُءُوسِ الأشْهادِ : هَولاَءِ الّذِينَ كَذَبُوا على رَبِهِمْ ، ألا لَعْنَةُ اللّهِ على الظّالِمِينَ » .
إن الله يفعل بعبده المؤمن من تعريفه إياه سيئات أعماله حتى يعرّفه تفضله عليه بعفوه له عنها ، فكذلك فعله تعالى ذكره في محاسبته إياه بما أبداه من نفسه ، وبما أخفاه من ذلك ، ثم يغفر له كل ذلك بعد تعريفه تفضله وتكرّمه عليه ، فيستره عليه ، وذلك هو المغفرة التي وعد الله عباده المؤمنين ، فقال : يغفر لمن يشاء .
فإن قال قائل : فإن قوله : { لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ } ينبىء عن أن جميع الخلق غير مؤاخذين إلا بما كسبته أنفسهم من ذنب ، ولا مثابين إلا بما كسبته من خير . قيل : إن ذلك كذلك ، وغير مؤاخذ العبد بشيء من ذلك إلا بفعل ما نهي عن فعله ، أو ترك ما أمر بفعله .
فإن قال : فإذا كان ذلك كذلك ، فما معنى وعيد الله عزّ وجلّ إيانا على ما أخفته أنفسنا بقوله : { وَيُعَذّبُ مَنْ يَشَاءُ } إن كان { لَهَا ما كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ } وما أضمرته قلوبنا وأخفته أنفسنا ، من همّ بذنب ، أو إرادة لمعصية ، لم تكتسبه جوارحنا ؟ قيل له : إن الله جلّ ثناؤه قد وعد المؤمنين أن يعفو لهم عما هو أعظم مما همّ به أحدهم من المعاصي فلم يفعله ، وهو ما ذكرنا من وعده إياهم العفو عن صغائر ذنوبهم إذا هم اجتنبوا كبائرها ، وإنما الوعيد من الله عزّ وجلّ بقوله : { وَيُعَذّبُ مَنْ يَشَاءُ } على ما أخفته نفوس الذين كانت أنفسهم تخفي الشكّ في الله ، والمرية في وحدانيته ، أو في نبوّة نبيه صلى الله عليه وسلم ، وما جاء به من عند الله ، أو في المعاد والبعث من المنافقين ، على نحو ما قال ابن عباس ومجاهد ، ومن قال بمثل قولهما أن تأويل قوله : { أوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللّهُ } على الشكّ واليقين . غير أنا نقول إن المتوعد بقوله : { وَيُعَذّبُ مَنْ يَشَاءُ } هو من كان إخفاء نفسه ما تخفيه الشكّ والمرية في الله ، وفيما يكون الشك فيه بالله كفرا ، والموعود الغفران بقوله : { فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ } هو الذي أخفى ، وما يخفيه الهمة بالتقدّم على بعض ما نهاه الله عنه من الأمور التي كان جائزا ابتداء تحليله وإباحته ، فحرّمه على خلقه جلّ ثناؤه ، أو على ترك بعض ما أمر الله بفعله مما كان جائزا ابتداء إباحة تركه ، فأوجب فعله على خلقه . فإن الذي يهمّ بذلك من المؤمنين إذا هو لم يصحح همه بما يهمّ به ، ويحقق ما أخفته نفسه من ذلك بالتقدم عليه لم يكن مأخوذا ، كما رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : «مَنْ هَمّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْها كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةٌ ، وَمَنْ هَمّ بِسَيّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْها لَمْ تُكْتُبْ عَلَيْهِ » ، فهذا الذي وصفنا ، هو الذي يحاسب الله به مؤمني عباده ثم لا يعاقبهم عليه .
فأما من كان ما أخفته نفسه شكا في الله وارتيابا في نبوّة أنبيائه ، فذلك هو الهالك المخلد في النار ، الذي أوعده جل ثناؤه العذاب الأليم بقوله : { وَيُعَذّبُ مَنْ يَشاءُ } .
فتأويل الآية إذا : { وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أنْفُسِكُمْ } أيها الناس ، فتظهروه { أوْ تُخْفُوهُ } فتنطوي عليه نفوسكم ، { يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللّهُ } فيعرّف مؤمنكم تفضله بعفوه عنه ، ومغفرته له ، فيغفره له ، ويعذّب منافقكم على الشكّ الذي انطوت عليه نفسه في وحدانية خالقه ونبوّة أنبيائه .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَاللّهُ على كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } .
يعني بذلك جل ثناؤه : والله عزّ وجلّ على العفو عما أخفته نفس هذا المؤمن من الهمة بالخطيئة ، وعلى عقاب هذا الكافر على ما أخفته نفسه من الشكّ في توحيد الله عزّ وجلّ ، ونبوّة أنبيائه ، ومجازاة كل واحد منهما على كل ما كان منه ، وعلى غير ذلك من الأمور قادرٌ .
{ لله ما في السماوات وما في الأرض } خلقا وملكا . { وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه } يعني ما فيها من السوء والعزم عليه لترتب المغفرة والعذاب عليه . { يحاسبكم به الله } يوم القيامة . وهو حجة على من أنكر الحساب كالمعتزلة والروافض . { فيغفر لمن يشاء } مغفرته . { ويعذب من يشاء } تعذيبه ، وهو صريح في نفي وجوب التعذيب . وقد رفعهما ابن عامر وعاصم ويعقوب على الاستئناف ، وجزمهما الباقون عطفا على جواب الشرط ، ومن جزم بغير فاء جعلهما بدلا منه بدل البعض من الكل أو الاشتمال كقوله :
متى تأتنا تلمم بنا في ديارنا *** تجد حطبا جزلا ونارا تأججا
وإدغام الراء في اللام لحن إذ الراء لا تدغم إلا في مثلها . { والله على كل شيء قدير } فيقدر على الإحياء والمحاسبة .
تعليل واستدلال على مضمون جملة { والله بما تعملون عليم } وعلى ما تقدم آنفاً من نحو : { الله بكل شيء عليم } [ آل عمران : 176 ] { واللَّه بما تعملون عليم واللَّه بما تعملون بصير } [ الممتحنة : 30 ] { واللَّه بما تعملون خبير } [ البقرة : 234 ] فإذا كان ذلك تعريضاً بالوعد والوعيد ، فقد جاء هذا الكلام تصريحاً واستدلالاً عليه ، فجملة { وإن تبدوا ما في أنفسكم } إلى آخرها هي محطُّ التصريح ، وهي المقصود بالكلام ، وهي معطوفة على جملة { ولا تكتموا الشهادة – إلى- والله بما تعملون عليم } [ البقرة : 283 ] وجملةُ { لله ما في السموات وما في الأرض } هي موقع الاستدلال ، وهي اعتراض بين الجملتين المتعاطفتين ، أو علة لجملة { والله بما تعملون عليم } باعتبار إرادة الوعيد والوعد ، فالمعنى : إنّكم عبيد ه فلا يفوته عملَكُم والجزاء عليه . وعلى هذا الوجه تكون جملة « وإن تبدوا ما في أنفسكم » معطوفة على جملة { لله ما في السموات وما في الأرض } عطف جملة على جملة ، والمعنى : إنكم عبيدُه ، وهو محاسبكم ، ونظيرُها في المعنى قوله تعالى : { وأسِرُّوا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور ألا يعلم من خلق } [ الملك : 13 ، 14 ] ولا يخالف بينهما إلاّ أسلوب نظم الكلام .
ومعنى الاستدلال هنا : إنّ الناس قد علموا أنّ الله ربّ السموات والأرض ، وخالق الخلق ، فإذا كان في السموات والأرض لِلَّه ، مخلوقاً له ، لزم أن يكون جميع ذلك معلوماً له لأنَّه مكوِّن ضمائرِهم وخواطرهم ، وعموم علمه تعالى بأحوال مخلوقاته من تمام معنى الخالقية والربوبية ؛ لأنّه لو خفي عليه شيء لكان العبد في حالة اختفاء حاله عن علم الله مستقلاً عن خالقه . ومالكيةُ الله تعالى أتَمّ أنواع الملك على الحَقيقة كسائر الصفات الثابتة لله تعالى ، فهي الصفات على الحقيقة من الوجود الواجب إلى ما اقتضاه وجوبُ الوجود من صفات الكمال . فقوله : { لله ما في السموات وما في الأرض } تمهيد لقوله : { وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه } الآية .
وعُطف قوله : { وإن تبدوا ما في أنفسكم } بالواو دون الفاء للدلالة على أنّ الحكم الذي تضمَّنه مقصود بالذات ، وأنّ ما قبله كالتمهيد له . ويجوز أن يكون قوله : { وإن تبدوا } عطفاً على قوله : { والله بما تعملون عليم } [ البقرة : 283 ] ويكون قوله : { لله ما في السموات وما في الأرض } اعتراضاً بينهما .
وإبداء ما في النفس : إظهاره ، وهو إعلانه بالقول ، فيما سبيله القول ، وبالعمل فيما يترتّب عليه عمل ؛ وإخفاؤه بخلاف ذلك ، وعطف { أو تخفوه } للترقّي في الحساب عليه ، فقد جاء على مقتضى الظاهر في عطف الأقوى على الأضعف ، وفي الغرض المسوق له الكلام في سياق الإثبات . وما في النفي يعمّ الخير والشر .
والمحاسبة مشتقّة من الحُسبان وهو العدّ ، فمعنى يحاسبكم في أصل اللغة : يعُدُّه عليكم ، إلاّ أنّه شاع إطلاقه على لازم المعنى وهو المؤاخذة والمجازاة كما حكى الله تعالى : { [ الشعراء : 113 ] وشاع هذا في اصطلاح الشرع ، ويوضّحه هنا قوله : { فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء } .
وقد أجمل الله تعالى هنا الأحوال المغفورة وغير المغفورة : ليكون المؤمنون بين الخوف والرجاء ، فلا يقصّروا في اتّباع الخيرات النفيسة والعملية ، إلاّ أنّه أثبت غفراناً وتعذيباً بوجه الإجمال على كلَ ممَّا نُبديه وما نخفيه . وللعلماء في معنى هذه الآية ، والجمع بينها وبين قوله صلى الله عليه وسلم " مَنْ هَمّ بسيئة فلم يعملها كتُبت له حسنة " . وقوله : " إن الله تجاوز لأمَّتِي عمّا حدثتْها به أنفُسها " وأحسن كلام فيه ما يأتلف من كلامي المازري وعياض ، في شرحيهما « لصحيح مسلم » : وهو مع زيادة بيان أنّ ما يخطر في النفس إن كان مجرّد خاطرِ وتردّد من غير عزم فلا خلاف في عدم المؤاخذة به ، إذ لا طاقة للمكلّف بصرفه عنه ، وهو مورد حديث التجاوز للأمة عمّا حدّثت به أنفسها ، وإن كان قد جاش في النفس عَزم ، فإما أن يكون من الخواطر التي تترتّب عليها أفعال بدنية أوْ لا ، فإن كان من الخواطر التي لا تترتَّب عليها أفعال : مثل الإيمان ، والكفر ، والحسد ، فلا خلاف في المؤاخذة به ؛ لأنَّ مما يدخل في طوق المكلّف أن يصرفه عن نفسه ، وإن كان من الخواطر التي تترتّب عليها آثار في الخارج ، فإن حصلت الآثار فقد خرج من أحوال الخواطر إلى الأفعال كمن يعزم على السرقة فيسرق ، وإن عزم عليه ورجع عن فعله اختياراً لغير مانع منعه ، فلا خلاف في عدم المؤاخذة به وهو مورد حديث " من همّ بسيئة فلم يعملها كتبت له حسنةً " وإن رجع لمانعٍ قهره على الرجوع ففي المؤاخذة به قولان . أي إنّ قوله تعالى : { يحاسبكم به الله } محمول على معنى يجازيكم وأنّه مُجمل تُبَيّنه موارد الثواب والعقاب في أدلة شرعية كثيرة ، وإنّ من سمَّى ذلك نسخاً من السلف فإنّما جرى على تسميةٍ سبقتْ ضَبطَ المصطلحات الأصولية فأطلق النّسخ على معنى البيان وذلك كثير في عبارات المتقدّمين وهذه الأحاديث ، وما دلّت عليه دلائل قواعد الشريعة ، هي البيان لمن يشاء في قوله تعالى : { فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء } .
وفي « صحيح البخاري » عن ابن عباس « أنّ هذه الآية نُسِخت بالتي بعدها » أي بقوله : { لا يكلف الله نفساً إلا وسعها } [ البقرة : 286 ] كما سيأتي هنالك .
وقد تبيّن بهذا أنّ المشيئة هنا مترتّبة على أحوال المُبْدَى والمُحْفَى ، كما هو بيّن .
وقرأ الجمهور : فيَغفرْ ويعذّب بالجزم ، عطفاً على يحاسِبْكم ، وقرأه ابن عامر ، وعاصم ، وأبو جعفر ، ويعقوب : بالرفع على الاستئناف بتقدير فهو يغفر ، وهم وجهان فصيحان ، ويجوز النصب ولم يقرأ به إلا في الشاذ .
وقوله : { والله على كل شيء قدير } تذييل لما دلّ على عموم العلم ، بما يدلّ على عموم القدرة .