التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي  
{لِّلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۗ وَإِن تُبۡدُواْ مَا فِيٓ أَنفُسِكُمۡ أَوۡ تُخۡفُوهُ يُحَاسِبۡكُم بِهِ ٱللَّهُۖ فَيَغۡفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُۗ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٌ} (284)

{ وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله } الآية : مقتضاها المحاسبة على ما في نفوس العباد من الذنوب ، سواء أبدوه أم أخفوه ، ثم المعاقبة على ذلك لمن يشاء الله أو الغفران لمن شاء الله ، وفي ذلك إشكال لمعارضته لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها " ، ففي الحديث الصحيح عن أبي هريرة : " أنه لما نزلت شق ذلك على الصحابة وقالوا أهلكنا إن حوسبنا على خواطر أنفسنا ، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم : قولوا سمعنا وأطعنا ، فقالوها ، فأنزل الله بعد ذلك :{ لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } ، فكشف الله عنهم الكربة ، ونسخ بذلك هذه الآية " ، وقيل : هي في معنى كتم الشهادة وإبدائها ، وذلك محاسب به ، وقيل : يحاسب الله خلقه على ما في نفوسهم ، ثم يغفر للمؤمنين ويعذب الكافرين والمنافقين ، والصحيح التأويل الأول لوروده في الصحيح ، وقد ورد أيضا عن ابن عباس وغيره ، فإن قيل : إن الآية خبر والأخبار لا يدخلها النسخ ، فالجواب : أن النسخ إنما وقع في المؤاخذة والمحاسبة وذلك حكم يصح دخول النسخ فيه ، فلفظ الآية خبر ، ومعناها حكم .

{ فيغفر لمن يشاء ويعذب } قرئ بجزمهما عطفا على يحاسبكم وبرفعهما على تقدير فهو يغفر .