فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{لِّلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۗ وَإِن تُبۡدُواْ مَا فِيٓ أَنفُسِكُمۡ أَوۡ تُخۡفُوهُ يُحَاسِبۡكُم بِهِ ٱللَّهُۖ فَيَغۡفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُۗ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٌ} (284)

284

{ تبدوا } تظهروا .

{ لله ما في السموات وما في الأرض } ربنا الواحد المعبود مالك السماوات والأرض وملكهما وما فيهما { وإن تبدوا } تظهروا { ما في أنفسكم أو تخفوه } ما تتحدث به النفس وما تنطوي عليه الجوانح أو تبقوه مستترا في صدوركم { يحاسبكم به الله } يسألكم عنه ويجزيكم به عاجلا وآجلا { فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شيء قدير } في الصحيحين عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( قال الله إذا هم عبدي بسيئة فلا تكتبوها عليه فإن عملها فاكتبوها سيئة وإن هم بحسنة فاكتبوها حسنة فإن عملها فاكتبوها عشرا ) إن الله كتب الحسنات والسيئات ثم بين ذلك فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة وإن هم بها فعملها كتبها الله عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة وإن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة وإن هم بها فعملها كتبها الله عنده سيئة واحدة ) . ونقل عن طائفة من المفسرين والمأثور أنها محكمة لم تنسخ إذ لا يلزم من المحاسبة المعاقبة ، وقد يحاسب سبحانه ويغفر ويشهد لهذا ما رواه قتادة عن صفوان بن محرز قال : بينما نحن نطوف بالبيت مع عبد الله بن عمر وهو يطوف إذ عرض له رجل فقال : يا ابن عمر ما سمعت رسول الله صلى الله عليه يقول في النجوى ؟ قال سمعت رسول الله صلى الله عليه سلم يقول{[849]} : ( يدنو المؤمن من ربه عز وجل حتى يضع عليه كنفه فيقرره بذنوبه فيقول هل تعرف كذا فيقول رب أعرف مرتين حتى إذا بلغ به ما شاء الله أن يبلغ قال فإني قد سترتها عليك في الدنيا وإني أغفرها لك اليوم قال فيعطى صحيفة حسناته أو كتابه بيمينه أما الكفار والمنافقون فينادي بهم على رؤوس الأشهاد { هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين }{[850]}( . { والله على كل شيء قدير } تذييل مقر لمضمون ما قبله فإن كمال قدرته تعالى على جميع الأشياء موجب لقدرته على ما ذكر من المحاسبة وما فرع عليه من المغفرة والتعذيب-{[851]} . قال الزجاج لما ذكر الله تعالى عز وجل في هذه السورة الجلية الشأن ، الواضحة البرهان فرض الصلاة والزكاة والصيام والحج والعمرة ، والحيض والطلاق والإيلاء ، والجهاد وقصص الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، والدين والربا ختمها بهذا { آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير } .


[849]:أخرجه الشيخان وغيرهما.
[850]:من سورة هود من الآية 38.
[851]:ما بين العارضتين من روح المعاني.