قوله : ( لِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الاَرْضِ ) الآية [ 283 ] .
قال ابن عباس : " قوله : ( وَإِن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمُ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّهُ ) ، منسوخة بقوله : ( لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً اِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ) [ 285 ]( {[9194]} ) .
ومعنى قوله : " إنها منسوخة " ، أي نزلت على نسختها لأنها خبر ، والأخبار لا تنسخ( {[9195]} ) .
وقد قيل : إن الآية محكمة ، وإن( {[9196]} ) المؤمن والكافر يحاسبان بما أبديا( {[9197]} ) وأخفيا ، فيغفر للمؤمن ، ويعاقب الكافر( {[9198]} ) .
وقيل : إن الآية مخصوصة في كتمان الشهادة خاصة وإظهارها( {[9199]} ) .
روي ذلك عن ابن عباس( {[9200]} ) .
وروي عن عائشة( {[9201]} ) أنها قالت : / " ما هَمَّ به العبد من خطيئة عوقب على ذلك بما يلحقه من الهم والحزن في الدنيا " ( {[9202]} ) .
قال ابن عباس " إذا جمع الله الخلائق يقول : أنا أخبركم بما أكننتم في أنفسكم . فأما المؤمنون فيغفر لهم ، وأما أهل الشك والريب فيخبرهم بما أخفوا من شكهم وتكذيبهم ، فذلك قوله : ( فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَّشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَّشَاءُ ) [ 283 ]( {[9203]} ) .
قال ابن عباس : " لما نزلت هذه/ الآية وقع في قلوبهم شيء ، فقال لهم( {[9204]} ) النبي عليه السلام : " قُولُوا( {[9205]} ) : سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَسَلَّمْنَا " ( {[9206]} ) ، فَأَلْقَى اللهُ الإِيمَانَ فِي قُلُوبِهِمْ ، وَأَنْزَلَ : ( امَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالمُومِنُونَ ) إلى ( أَوَ( {[9207]} ) اَخْطَأْنَا ) . قال : " قَدْ فَعَلْتُ " ( رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً ) ، قال : " قَدْ فَعَلْتُ " ، ( وَاعْفُ عَنَّا ) إلى آخر السورة . قال : " قَدْ فَعَلْتُ " ( {[9208]} ) .
وقال السدي : " وقعت عليهم شدة عند نزول : ( وَإِن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمُ أَوْ تُخْفُوهُ ) حتى نسخها ما( {[9209]} ) بعدها( {[9210]} ) " .
أي أزالت الشدة ، من قولهم : " نَسَخَتِ الشَّمْسُ الظِّلَّ " ( {[9211]} ) أي أزالته( {[9212]} ) .
( وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) [ 283 ] .
أي يقدر على العفو لما أخفته نفس المؤمن ، وعلى العقاب فيما أخفته نفس الكافر من الكفر والشك في الدين( {[9213]} ) .
وقال حذيفة : " سمعت النبي عليه السلام( {[9214]} ) يقول( {[9215]} ) : " أُعْطِيتُ آيَاتٍ مِنْ كَنْزٍ مِنْ تَحْتِ الْعَرْشِ ، لَمْ يُعْطَهَا( {[9216]} ) نَبِيٌّ قَبْلِي ، وَلاَ يُعْطَاهَا أَحَدٌ مِنْ بَعْدِي ، ثم قرأ : ( لِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الاَرْضِ وَإِن تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمُ ) حتى ختم السورة " ( {[9217]} ) .
وروى أبو هريرة أنه : " لما نزلت على النبي عليه السلام( {[9218]} ) هذه الآية : ( لِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الاَرْضِ ) ، وسمعوا فيها : ( وَإِن تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمُ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّهُ ) أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فجثوا( {[9219]} ) على الركب فقالوا : " لا نطيق( {[9220]} ) ، كلفنا من العمل ما لا نطيق ولا نستطيع ، فأنزل الله : ( امَنَ الرَّسُولُ ) إلى آخرها( {[9221]} ) .
وقال محمد بن كعب القرظي( {[9222]} ) : " ما بعث الله نبياً إلا أمره أن يعرض على قومه ، ( لِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الاَرْضِ ) إلى قوله : ( وَيُعَذِّبْ مَنْ يَّشَاءُ ) إلا قالوا : لا نطيق أن نؤاخذ بما نوسوس في قلوبنا ، فلما بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم أنزلها عليه فآمن بها ، وعرضها على قومه ، فآمنوا بها ، وقالوا : ( سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا ) ، قال : فخفف الله عنهم ، فأنزل : ( امَنَ الرَّسُولُ )( {[9223]} ) .
وحكى عنهم " أنهم قالوا : ( سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ) وأنزل الله : ( لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً اِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ) ، فنسخ المؤاخذة بالوسوسة . وقاله ابن مسعود( {[9224]} ) .
وقالت عائشة( {[9225]} ) : هو الرجل يهم بالمعصية ، ولا يعملها ، فيرسل عليه من الهم والحزن بقدر ما همَّ به من/ المعصية ، فذلك محاسبته " ( {[9226]} ) .
وروي أنها لما نزلت قال النبي [ عليه السلام ]( {[9227]} ) : " وَيَحِقُّ لَهُ أَنْ( {[9228]} ) يُؤْمِنَ " ( {[9229]} ) يعني نفسه .
وروي أنهم شكوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم( {[9230]} ) شدة ما يلقون من قوله : ( وَإِن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمُ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّهُ ) ، / فقال لهم النبي [ عليه السلام ]( {[9231]} ) : " لَعَلَّكُمْ تَقُولُونَ : سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا " كَمَا قَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ . بَلْ قُولُوا( {[9232]} ) : سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا " ( {[9233]} ) فأنزل الله ذلك من قول النبي صلى الله عليه وسلم( {[9234]} ) .
وقرأ ابن عباس وابن مسعود : " لاَيُفَرِّقُ " بالياء( {[9235]} ) ، رد على ( كُلٌّ ) أي " كُلٌّ لاَ يُفَرِّقُ " .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.