السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{لِّلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۗ وَإِن تُبۡدُواْ مَا فِيٓ أَنفُسِكُمۡ أَوۡ تُخۡفُوهُ يُحَاسِبۡكُم بِهِ ٱللَّهُۖ فَيَغۡفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُۗ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٌ} (284)

{ لله ما في السماوات وما في الأرض } خلقاً وملكاً قال الجلال السيوطي وعبيداً : ولعل ذكره بعد ملكاً لئلا يتوهم أنّ ما لما لا يعقل { وإن تبدوا } أي تظهروا { ما في أنفسكم } من السوء والعزم عليه { أو تخفوه } أي : تسروه { يحاسبكم } أي : يجزكم { به الله } يوم القيامة ، والآية حجة على من أنكر الحساب كالمعتزلة والروافض { فيغفر لمن يشاء } مغفرته { ويعذب من يشاء } تعذيبه وهذا صريح في نفي وجوبه ، وقرأ ابن عامر وعاصم برفع الراء : من يغفر ورفع الباء من يعذب على الاستئناف ، والباقون بجزمهما عطفاً على جواب الشرط ، وأدغم الراء المجزومة في اللام السوسي ، واختلف عن الدوري وقول الزمخشري : ومدغم الراء في اللام لاحن مخطئ خطأ فاحشاً . ورواية عن أبي عمرو يعني السوسي مخطئ مرّتين ؛ لأنه يلحن وينسب اللحن إلى أعلم الناس بالعربية ما يؤذن بجهل عظيم والسبب في نحو هذه الروايات قلة ضبط الرواة ، والسبب في قلة الضبط قلة الدراية ولا يضبط نحو هذا إلا أهل النحو مردود ؛ لأنه مبنيّ على القول بأنّ الراء إنما تدغم في الراء لتكرّره الفائت بإدغامها في اللام ورد بأنّ ذلك قراءة أبي عمرو وهي متواترة مع أنّ القول بامتناع إدغام الراء في اللام إنما هو مذهب البصريين وأمّا الكوفيون بل وبعض البصريين كأبي عمرو فقائلون بالجواز كما نقله عنهم أبو حيان ، ونقل أبو عمرو والكسائي وأبو جعفر صحة إدغام صار لي وصار لك عن العرب ومن حفظ حجة على من لم يحفظ ، ووجه الجعبري إدغام الراء في اللام بتقارب مخرجيهما على رأي سيبويه وتشاركهما على رأي الفرّاء وتجانسهما في الجهر والانفتاح والاستفال { والله على كل شيء قدير } فيقدر على جزائكم ومحاسبتكم .