{ لله ما في السموات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شيء قدير }
يحاسبكم به : أي يبينه لكم ويجازيكم عليه
284- { لله ما في السموات وما في الأرض . . }الآية . لله ما في السموات وما في الأرض من أجزائها وما استقر فيهما لا يشاركه في خلقها او في ملكها أو التصرف فيها شريك فله أن يلزمكم أيها العباد بما يشاء من التكاليف وعليكم أيها العباد أن تطيعوه ولا تعصوه .
و الله سبحانه وتعالى يحاسبكم أيها العباد على نياتكم وما تكسبه قلوبكم سواء أأخفيتموه أم أظهرتموه .
و قد بين المحققون من العلماء أن هذه المحاسبة إنما تكون على ما يغزم عليه الإنسان وينويه ويصر على فعله سواء أنفذ ما اعتزم عليه أم حالت دونه حوائل خارجة عن إرادته كمن عزم على السرقة وأصر عليها ثم وجد الشرطي فتركها .
و في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله تجاوز لي عن أمتي ما وسوست به صدورها ما لم تعمل أو تكلم " ( 102 ) .
و اخرج مسلم في صحيحه عن ابن عباس عن الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن ربه تعالى قال : " إن الله كتم الحسنات والسيئات ثم بين ذلك فمن همّ بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة وإن هم بها فعملها كتبها الله عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة وإن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة وإن هم بها فعملها كتبها الله عنده سيئة واحدة " 103 ) .
و روى عن أبي هريرة قال : " جاء ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألوه فقالوا إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به قال وجدتموه ؟ قالوا : نعم قال : ذلك صريح الإيمان ، وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوسوسة قال : تلك صريح الإيمان( 104 ) .
و في كتب التفسير أن الصحابة لما سمعوا هذه الآية رقت قلوبهم ودمعت عيونهم وخافوا أن يحاسبهم الله على خطرات أنفسهم وهم لا يملكونها ولا يستطيعون التحكم فيها حيث قال سبحانه : { و إن تبدو ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله } ( البقرة 284 ) .
فلما فعلوا نسخها الله فأنزل : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } ( البقرة 286 ) .
و روى ابن جرير الطبري عن مجاهد والضحاك أنه قال : هي محكمة لم تنسخ واختار ابن جرير ذلك واحتج على أنه لا يلزم من المحاسبة المعاقبة وأنه تعالى قد يحاسب ويغفر وقد يحاسب ويعاقب .
و قد ورد في الصحيحين من طرق متعددة وعن قتادة عن صفوان بن محرز قال بينا نحن نطوف بالبيت مع عبد الله بن عمرو وهو يطوف إذ عرض له رجل فقال يا بن عمر ما سمعت رسول الله صلى الله عليه سلم يقول في النجوى ؟ قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " يدنو المؤمن من ربه عز وجل حتى يضع عليه كنفه فيقرره بذنوبه فيقول له : هل تعرف كذا ؟ فيقول رب اغفر اعرف مرتين حتى إذا بلغ ما شاء الله به ان يبلغ قال : إني قد سترتها عليك في الدنيا وإني أغفرها لك اليوم فيعطى صحيفة حسناته او كتابه بيمينه وأما الكفار المنافقين فينادي بهم رءوس الأشهاد : { هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين } ( هود 18 ) . ( 105 ) .
و جاء في تفسير الألوسي : المؤاخذة على تصميم العزم على إيقاع المعصية في الأعيان وهو من الكيفيات النفسانية التي تلحق بالملكات وليس كذلك سائر ما يحدث في النفس أي من خواطر لا تصميم ولا عزم معها قال بعضهم :
سوى الأخير ففيه الأخذ قد وقعا ( 106 ) .
و جاء في ظلال القرآن : " وهكذا يعقب على التشريع المدني البحث بهذا التوجيه الوجداني البحث ويربط بين التشريعات للحياة وخالق الحياة بذلك الرباط الوثيق المؤلف من الخوف والرجاء في مالك الأرض والسماء فيضيف إلى ضمانات التشريع القانونية ضمانات القلب الوجدانية وهي الضمان الوثيق المميز لشرائع الإسلام في قلوب المسلمين في المجتمع المسلم . وهي التشريع في الإسلام متكاملان فالإسلام يصنع القلوب التي يشرع لها ويصنع المجتمع الذي يقنن له صنعة إلهية متكاملة متناسقة تربية وتشريعا وتقوى وسلطانا و منهجا للإنسان من صنع الخالق الإنسان فأنى تذهب شرائع الأرض وقوانين الأرض ومناهج الأرض ؟ أني تذهب نظرة إنسان قاصر محدود العمر محدود المعرفة محدود الرؤية يتقلب هواه وهناك فلا يستقر على حال ولا يكاد يجتمع اثنان على رأي ولا رؤية ولا على إدراك ؟ . .
ألا إنها الشقوة البشرية في هذا الشرود عن منهج الله وشرعه .
الشقوة التي بدأت في الغرب هربا من الكنيسة الطاغية الباغية هناك . . . ومن إلهها الذي كانت تزعم أنها تنطق باسمه وتحرم على الناس أن يتفكروا أو يتدبروا وتفرض عليهم باسمه الإتاوات الباهضة والاستبداد المنفر فلما هم الناس أن يتخلصوا من هذا الكابوس تخلصوا من الكنيسة وسلطانها ولكنهم لم يقفوا عند حد الاعتدال فتخلصوا كذلك من إله الكنيسة وسلطانه ثم تخلصوا من كل دين يقودهم في حياتهم الأرضية بمنهج الله . . . وكانت الشقوة وكان البلاء ( 107 ) .
فأما نحن - نحن الذين نزعم الإسلام فما بالنا ؟ ما بالنا نشرد عن الله ومنهجه وشريعته وقانونه ؟ ما بالنا وديننا السمح القويم لم يفرض علينا إلا كل ما يرفع الأغلال ويحط عنا الأثقال ويؤدي إلى الرقي والفلاح ؟ ( 108 ) .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.