قوله تعالى : { وإذا سألك عبادي عني فإني قريب } . روى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس ، قال : قال يهود أهل المدينة : يا محمد كيف يسمع ربنا دعاءنا وأنت تزعم أن بيننا وبين السماء مسيرة خمسمائة عام ؟ وإن غلظ كل سماء مثل ذلك ؟ فنزلت هذه الآية ، وقال الضحاك : سأل بعض الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : أقريب ربنا فنناجيه ؟ أم بعيد فنناديه ؟ فأنزل الله تعالى : { وإذا سألك عبادي عني فإني قريب } وفيه إضمار ، كأنه قال لهم : إني قريب منهم بالعلم لا يخفى على شيء كما قال : { ونحن أقرب إليه من حبل الوريد } .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد ابن يوسف أخبرنا محمد بن إسماعيل ، أخبرنا عبد الواحد ، عن عاصم عن أبي عثمان عن أبي موسى الأشعري قال : لما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر ، أو قال : لما توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خيبر ، أشرف الناس على واد فرفعوا أصواتهم بالتكبير : الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أربعوا على أنفسكم ، إنكم لا تدعون أصم ، ولا غائباً إنكم تدعون سميعاً قريباً وهو معكم " .
قوله تعالى : { أجيب دعوة الداع إذا دعان } . قرأ أهل المدينة غير قالون وأبو عمرو بإثبات الياء فيهما في الوصل ، والباقون يحذفونها وصلاً ووقفاً ، وكذلك اختلف القراء في إثبات الياءات المحذوفة من الخط وحذفها في التلاوة ، ويثبت يعقوب جميعها ، وصلاً ووقفاً ، واتفقوا على إثبات ما هو مثبت في الخط وصلاً ووقفاً .
قوله تعالى : { فليستجيبوا لي } . قيل : الاستجابة بمعنى الإجابة ، أي : فليجيبوا لي بالطاعة ، والإجابة في اللغة : الطاعة وإعطاء ما سئل فالإجابة من الله تعالى العطاء ، ومن العبد الطاعة ، وقيل : فليستجيبوا لي أي ليستدعوا مني الإجابة ، وحقيقته فليطيعوني .
قوله تعالى : { وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون } . لكي يهتدوا ، فإن قيل فما وجه قوله تعالى : ( أجيب دعوة الداع ) وقوله ( ادعوني أستجب لكم ) وقد يدعى كثيراً فلا يجيب ؟ قلنا : اختلفوا في معنى الآيتين قيل معنى الدعاء هاهنا الطاعة ، ومعنى الإجابة الثواب ، وقيل معنى الآيتين خاص وإن كان لفظهما عاماً ، تقديرهما : أجيب دعوة الداع إن شئت ، كما قال : ( فيكشف ما تدعون إليه إن شاء ) أو أجيب دعوة الداعي إن وافق القضاء أو : أجيبه إن كانت الإجابة خيراً له ، أو أجيبه إن لم يسأل محالاً .
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أخبرنا أبو منصور محمد بن محمد السمعاني ، أخبرنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن عبد الجبار الرياني ، أخبرنا حميد ابن زنجويه ، أخبرنا عبد الله بن صالح ، حدثني معاوية بن صالح أن ربيعة بن يزيد حدثه عن أبي إدريس عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يستجيب الله لأحدكم ما لم يدع بإثم ، أو قطيعة رحم ، أو يستعجل . قالوا : وما الاستعجال يا رسول الله ؟ قال : قد دعوتك يا رب ، قد دعوتك يا رب ، فلا أراك تستجيب لي ، فيستحسر عند ذلك فيدع الدعاء " .
وقيل : هو عام ، ومعنى قوله " أجيب " أي أسمع ، ويقال ليس في الآية أكثر من إستجابة الدعوة ، فأما إعطاء المنية فليس بمذكور فيها ، وقد يجيب السيد عبده ، والوالد ولده ثم لا يعطيه سؤله ، فالإجابة كائنة لا محالة عند حصول الدعوة ، وقيل : معنى الآية أنه لا يجيب دعاءه ، فإن قدر له ما سأل أعطاه ، وإن لم يقدره له ادخر له الثواب في الآخرة ، أو كف عنه به سوءاً والدليل عليه ما أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أبو منصور السمعاني ، أخبرنا أبو جعفر الرياني ، أخبرنا حميد زنجويه ، أخبرنا محمد بن يوسف ، أخبرنا ابن ثوبان ، وهو عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان عن أبيه ، عن مكحول عن جبير بن نفير عن عبادة بن الصامت حدثهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما على الأرض رجل مسلم يدعو الله تعالى بدعوة إلا آتاه ، الله إياها ، أو كف عنه من السوء مثلها ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم " . وقيل : إن الله تعالى يجيب دعاء المؤمن في الوقت ، ويؤخر إعطاء من يجيب مراده ليدعوه فيسمع صوته ويعجل إعطاء من لا يحبه لأنه يبغض صوته ، وقيل : إن للدعاء آداباً وشرائط وهي أسباب الإجابة فمن استكملها كان من أهل الإجابة ، ومن أخل بها فهو من أهل الاعتداء في الدعاء فلا يستحق الإجابة .
{ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ }
هذا جواب سؤال ، سأل النبي صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه فقالوا : يا رسول الله ، أقريب ربنا فنناجيه ، أم بعيد فنناديه ؟ فنزل : { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ } لأنه تعالى ، الرقيب الشهيد ، المطلع على السر وأخفى ، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ، فهو قريب أيضا من داعيه ، بالإجابة ، ولهذا قال : { أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ } والدعاء نوعان : دعاء عبادة ، ودعاء مسألة .
والقرب نوعان : قرب بعلمه من كل خلقه ، وقرب من عابديه وداعيه بالإجابة والمعونة والتوفيق .
فمن دعا ربه بقلب حاضر ، ودعاء مشروع ، ولم يمنع مانع من إجابة الدعاء ، كأكل الحرام ونحوه ، فإن الله قد وعده بالإجابة ، وخصوصا إذا أتى بأسباب إجابة الدعاء ، وهي الاستجابة لله تعالى بالانقياد لأوامره ونواهيه القولية والفعلية ، والإيمان به ، الموجب للاستجابة ، فلهذا قال : { فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ } أي : يحصل لهم الرشد الذي هو الهداية للإيمان والأعمال الصالحة ، ويزول عنهم الغي المنافي للإيمان والأعمال الصالحة . ولأن الإيمان بالله والاستجابة لأمره ، سبب لحصول العلم كما قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.