لطائف الإشارات للقشيري - القشيري  
{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌۖ أُجِيبُ دَعۡوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِۖ فَلۡيَسۡتَجِيبُواْ لِي وَلۡيُؤۡمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمۡ يَرۡشُدُونَ} (186)

سؤال كل أحدٍ يدلُّ على حاله ؛ لم يسألوا عن حكم ولا عن مخلوق ولا عن دين ولا عن دنيا ولا عن عقبى بل سألوا عنه فقال تعالى : { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّى } . وليس هؤلاء من جملة من قال :{ ويسألونك عَنِ الجِبَالِ }[ طه : 105 ] ، ولا من جملة من قال :

{ ويسألونك عَنِ اليَتَامَى }[ البقرة : 220 ] ولا من جملة من قال :{ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ المَحِيضِ }[ البقرة : 222 ] ، ولا من جملة من قال :{ ويسألونك عَنِ الرُّوحِ }[ الإٍسراء : 85 ] ، ولا من جملة من قال : و{ يسألونك عَنِ الخَمْرِ والمَيْسِرِ }[ البقرة : 219 ] ، و{ يسألونك عِنِ الشَّهْرِ الحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ }[ البقرة : 217 ] .

هؤلاء قوم مخصوصون : { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّى } . أي إذا سألك عبادي عني فبماذا تجيبهم ؟ ليس هذا الجواب بلسانك يا محمد ، فأنت وإنْ كنتَ السفير بيننا وبين الخلْق فهذا الجواب أنا أتولاه { فَإِنِّي قَرِيبٌ } ( رَفَعَ الواسطة من الأغيار عن القربة فلم يَقُل قل لهم إني قريب بل قال جل شأنه : { فَإِنِّي قَرِيبٌ } .

ثم بَيَّن أن تلك القربة ما هي : حيث تقدَّس الحقُّ سبحانه عن كل اقتراب بجهة أو ابتعاد بجهة أو اختصاص ببقعة فقال : { أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ } وإن الحق سبحانه قريب - من الجملة والكافة - بالعلم والقدرة والسماع والرؤية ، وهو قريب من المؤمنين على وجه التبرية والنصرة وإجابة الدعوة ، وجلَّ وتقدَّس عن أن يكون قريباً من أحد بالذات والبقعة ؛ فإنه أحديٌّ لا يتجه في الأقطار ، وعزيز لا يتصف بالكُنْهِ والمقدار .

قوله جلّ ذكره : { أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتِجِيبُوا لي وَلْيُؤْمِنُوا بِى لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ } .

لم يَعِدْ إجابة من كان باستحقاق زهد أو في زمان عبادة ، بل قال دعوة الداعي متى دعاني وكيفما دعاني وحيثما دعاني ثم قال : { فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي } هذا تكليف ، وقوله : { أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ } تعريف وتخفيف ، قدَّم التخفيف على التكليف ، وكأنه قال : إذا دعوتني - عبدي - أَجَبْتُك ، فأَجِبنِي أيضاً إذا دَعَوْتُك ، أنا لا أرضى بِرَدِّ دعائِك فلا تَرْضَ - عبدي - بردِّي من نفسك . إجابتي لك بالخير تحملك - عبدي - على دعائي ، ولا دعاؤك يحملني على إجابتك . { فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِى } : وليثقوا في ، فإني أجيب من دعاني ، قال قائلهم :

يا عَزُّ أُقْسِم بالذي أنا عبده *** وله الحجيج وما حوت عرفات

لا أبتغي بدلاً سِواكِ خليلة *** فشقِي بقولي والكرامُ ثِقات

ثم قال في آخر الآية : { لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ } أي ليس القصد من تكليفك ودعائك إلا وصولك إلى إرشادك .