تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌۖ أُجِيبُ دَعۡوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِۖ فَلۡيَسۡتَجِيبُواْ لِي وَلۡيُؤۡمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمۡ يَرۡشُدُونَ} (186)

الآية 186 وقوله تعالى : ( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب ) هو على الإضمار ، والله أعلم ؛ كأنه قال : ( وإذا سألك عبادي عني ) أين أنا ؟ عن أجابتهم فقل لهم : إني قريب . ويحتمل قوله ( قريب ) وجوها : يحتمل الإحسان والبر والكرامة ، لمن أطاعني ، ويحتمل أني ( قريب ) قرب العلم والإجابة لا قرب المكان والذات كقرب بعضهم من بعض في المكان ؛ لأنه كان ولا مكان ، ويكون على ما كان . وكذلك قوله : ( ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ) الآية{[2195]} بالمجادلة : 7 ] ، وكقوله : ( ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ) [ ق : 16 ] ، [ وكقوله ]{[2196]} : ( ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون ) [ الواقعة : 85 ] . كل ذلك يرجع إلى قرب العلم والإحاطة وارتفاع الجهات لا قرب الذات على ما ذكرنا .

وإن كانت القصة على ما قاله بعض أهل التفسير بأن اليهود قالوا : كيف يسمع ربك دعاءنا ؟ وأنت تزعم أن بيننا وبين السماء مسيرة خمسمائة عام ، وأن غلظ كل سماء مسيرة خمسمئة عام ، فنزل قوله : ( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب ) ، هذا لما [ لم ]{[2197]} يعرفوا الصانع ، ألا تراهم جعلوا له الولد ، وجعلوا له شركاء ؟ فخرج سؤالهم ، إن كان ، مخرج سؤال التعنت لا سؤال المسترشد .

وقوله : ( أجيب ) أي أقبل ( دعوة الداع ) يعني توحيد الموحد ( إذا دعان ) . وكذلك قال ابن عباس رضي الله عنه في قوله : ( وقال ربكم ادعوني أستجب لكم ) [ غافر : 60 ] ( أي وحدوني أغفر لكم ) وقيل : ( أجيب دعوة الداع ) على حقيقة الإجابة .

وقوله : ( فليستجيبوا لي ) أي إلى ما دعوتهم ، ويحتمل على ما ذكرنا في قوله : ( أجيب ) لكم إذا استجبتم لي بالطاعة والائتمار ، ويحتمل ( أجيب ) لكم إذا أخلصتم الدعاء لي ، ويحتمل على ابتداء الأمر بالتوحيد ؛ كأنه قال : وحدوني . ألا ترى أنه قال : ( وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون ) إذا فعلوا ذلك ؟


[2195]:- أدرج في ط ع تتمة الآية بدل هذه الكلمة.
[2196]:- من ط ع.
[2197]:- من ك و ط ع، ساقطة من الأصل.