ولما كان دعاء الصائم مجاباً وكان هذا{[7697]} الشهر بالخصوص مظنة الإجابة للصيام و{[7698]}لمكان ليلة القدر ، وكان ذكر كبريائه سبحانه وتعالى مهيئاً لعباده للإحساس بالبعد فكان ربما أوقع في وهم أنه على عادة المتكبرين في بعد المسافة عن محالّ العبيد وأنه إن{[7699]} كان بحيث يسمع لم يكن لأحد منهم أن يسأله{[7700]} إلا بواسطة رفع هذا{[7701]} الوهم بقوله : { وإذا } دالاً بالعطف على غير مذكور أن التقدير : فإذا سألك عبادي عني فإني{[7702]} مع علو شأني رقيب على من أطاعني ومن عصاني " وقال الحرالي : لما أثبت الحق سبحانه وتعالى كتاب الصيام لعباده لما أرادهم له{[7703]} من إعلائهم{[7704]} إلى خبء{[7705]} جزائه وأطلعهم على ما شاء في صومهم من ملكوته بحضور{[7706]} ليلة القدر فأنهاهم{[7707]} إلى التكبير على {[7708]}عظيم ما هداهم إليه واستخلفهم في فضله وشكر نعمته بما{[7709]} خولهم من عظيم فضله وأظهر عليهم من رواء بركاته ما يدعو الناظرين{[7710]} لهم إلى سؤالهم عما نالوه من ربهم فيليحون{[7711]} لمن دونهم ما{[7712]} به يليق بهم رتبة{[7713]} {[7714]}رتبة ؛ يؤثر{[7715]} عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه قال : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكلم{[7716]} أبا بكر رضي الله تعالى عنه فكأنما يتكلمان بلسان أعجم لا أفهم مما يقولان شيئاً " إلى أن ينتهي الأمر إلى أدنى{[7717]} السائلين الذين هم في رتبة حضرة بعد{[7718]} {[7719]}فيبشرون بمطالعة القرب{[7720]} فقال : و { إذا } عطفاً على أمور متجاوزة كأنه{[7721]} يقول : إذا خرجت من معتكفك فصليت وظهرت زينة الله التي باهى بها ملائكته ليست زينة الدنيا التي يتمقتها{[7722]} أهل حضرته من ملائكته فإذا سألك من حاله كذا فأنبئه{[7723]} بكذا وإذا سألك من حاله كذا فأنبئه{[7724]} بكذا وإذا { سألك عبادي عني } أي هل أنا على حال المتكبرين من ملوك الدنيا في البعد عمن دونهم فأخبرهم أني لست كذلك .
ولما كان لا يسأل{[7725]} عن الشيء إلاّ إن{[7726]} كان معظماً له متشوقاً إلى تعجيل الإخبار به كان الأنسب للمقام و{[7727]}الأقرّ لعيون العباد والأزجر لأهل العناد تقريب الجواب وإخباره سبحانه وتعالى بنفسه الشريفة دون واسطة إشعاراً بفرط قربه وحضوره مع كل سائل فقال : { فإني } دون فقل إني ، فإنه لو أثبت قل ، لأوهم بُعداً وليس المقام كذلك ، ولكان قوله إني ، موهماً فيحتاج إلى أن يقال إن الله أو نحوه ، ومع ذلك فلا ينفك عن إشكال ؛ وإذا كان هذا التلطف بالسائلين فما ظنك بالسالكين السائرين ! وقال الأستاذ أبو القاسم القشيري ما معناه : الذين يسألون عن الجبال وعن اليتامى وعن المحيض وعن الأهلة ونحوها يجابون بالواسطة ، وأما الذين يسألون عني {[7728]}فإني أرفع{[7729]} الوسائط بيني وبينهم . وقال الإمام قاضي القضاة ناصر الدين بن ميلق{[7730]} ما معناه : إنه سبحانه وتعالى لما كان قد تعرف إلى عباده بأفعاله وآياته وما ركز{[7731]} في العقول من معرفته كان حذف الواسطة في الإخبار عنه{[7732]} أنسب بخلاف الأهلة ونحوها فإن العقول لا تستقل بمعرفتها ، فكان الإخبار عنها بواسطة الرسول الذي لا تعرف {[7733]}إلا من{[7734]} جهته أنسب . { قريب } فعيل من القرب وهو مطالعة الشيء حساً أو معنى أي{[7735]} من طلبني بعقله وجدني{[7736]} وعرفني وإنما أرسلت الرسل زيادة في التعرف{[7737]} ورفعاً{[7738]} للحرج {[7739]}بسر التلطف{[7740]} ، وإسقاط قل ، أسرع في التعرف فهو أجدر بتعظيم الواسطة لأن الإسراع في الإجابة أقرب دلالة على صدقه في الرسالة . قال الحرالي : بشر{[7741]} أهل حضرة البعد بالقرب{[7742]} لما رقي أهل القرب إلى الوصول بالقرب{[7743]} فكان المبشر واصلاً وكان المتقاصر{[7744]} عن القرب مبشراً به ، ومعلوم{[7745]} أن قرب الله وبعد المخلوق منه ليس بعد مسافة ولا قرب مسافة ، فالذي يمكن إلاحته{[7746]} من معنى القرب أن من سمع فيما يخاطب به خطاب ربه فهو قريب ممن كان {[7747]}ذلك الخطاب{[7748]} منه ، ومن كان إنما يسمع الخطاب ممن واجهه بالخطاب في حسه ومحسوسه فسمعه ممن دون ربه كان بعيداً بحسب تلك الواسطة من بعد دون بعد إلى أبعد البعد ، ولذلك يعلن للنبي صلى الله عليه وسلم{ إنما عليك البلاغ }[ الرعد : 40 ] وكان {[7749]}أن ما{[7750]} يتلوه لأمته إنما هو كلام ربه يتلو لهم كلام ربهم ليسمعوه من ربهم لأمته حتى لا يكون صلى الله عليه وسلم واسطة بين العبد وربه بل يكون يوصل العبد إلى ربه ، وللإشارة{[7751]} بهذا المعنى يتلى{[7752]} كلمة قل ، في القرآن ليكون إفصاحاً {[7753]}لسماع كلام الله{[7754]} سبحانه وتعالى ممن سمع كائناً من كان ، وفي إشعاره إهزاز القلوب والأسماع إلى نداء الحج إثر الصوم ، لأنه جعل تعالى أول يوم من شهور الحج إثر{[7755]} يوم من أيام الصوم ، فكأن منادي الله ينادي يوم الفطر بالحج ، ففي خفي{[7756]} إشارته إعلاء نداء{[7757]} إبراهيم عليه الصلاة والسلام الذي تقدم أساس أمر الإسلام على حنيفيته وملته ، وليكون في هذه الآية الجامعة توطئة لذكر الحج لما تقدم من أن هذه السورة تنتظم{[7758]} جوامعها خلال تفاصيلها انتظاماً عجيباً يليح المعنى لأهل الفهم ويفصله{[7759]} لأهل العلم ثم يحكم به على أهل الحكم قال{[7760]} : { أجيب } من الإجابة{[7761]} وهي {[7762]}اللقاء بالقول ابتداء شروع{[7763]} لتمام اللقاء بالمواجهة { دعوة الداع } ففيه إشعار بإجابة الداعي أي للحج{[7764]} عند خاتمة الصوم يعني لما بين العبادتين من تمام{[7765]} المناسبة ، فإن حال الصوم التابع لآية الموت{[7766]} في كونه{[7767]} محواً لحال البرزخ وحال الحج في كونه سفراً إلى مكان مخصوص على حال التجرد كحال الحشر{[7768]} ؛ قال : وجاء الفطر يعني بعد إكمال الصوم بما يعين على إجابة دعوة الوفادة على الله سبحانه وتعالى إثر الخلوة في بيت الله ليكون انتقالهم{[7769]} من بيت خلوته بالعكوف إلى موقف تجليه{[7770]} في الحج ، وفيه تحقيق للداعي{[7771]} من حاله{[7772]} ليس الداعي من أغراضه وشهواته ، فإن الله سبحانه وتعالى يجيب دعوة العبد إذا كان فيه رشد{[7773]} وإلا ادخرها له أو{[7774]} كفر بها عنه كما بينه صلى الله عليه وسلم{[7775]} .
ولما كان كل خلق داعياً لحاجته وإن لم ينطق بها أشار تعالى إلى مقصد إظهار الدعاء مقالاً وابتهالاً فقال : { إذا دعان } ليكون حاله صدقاً بمطابقة حاله مقالاً{[7776]} ، وفي قراءة الاكتفاء بكسرة{[7777]} { الداع{[7778]} } و { دعان{[7779]} } عن يائهما ، وقراءة تمكينهما توسعة{[7780]} القراءة{[7781]} بما تيسر على قبائل العرب {[7782]}بحسب ما في{[7783]} ألسنة بعضها من التمكين وما في ألسنة بعضها من الحذف{ ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدّكر{[7784]} }[ القمر : 17 ] وفي إجابته حجة عليهم بأن السيد إذا التزم إجابة عبده كان إجابة العبد لسيده أوجب التزاماً لاستغناء السيد وحاجة العبد ، فحين كان الغني مجيباً كان أولى بأن يكون المحتاج مستجيباً يعني فلذلك سبب عنه قوله إشارة إلى شرط الإجابة { فليستجيبوا لي{[7785]} } إنباء عما قد دعاهم إليه من قربه وقصد بيته{[7786]} بما جبلهم عليه من حاجتهم إليه ، وجاء بصيغة الاستفعال المشعر باستخراج الإجابة مما شأنه الإباء لما في الأنفس من كره فيما تحمل{[7787]} عليه من الوصول إلى بيت لم يكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس - انتهى وفيه تصرف . ولما أوجب استجابته سبحانه {[7788]}في كل{[7789]} ما{[7790]} دعا إليه وكانت الاستجابة بالإيمان أول المراتب وأولاها{[7791]} وكانت مراتب الإيمان في قوته وضعفه {[7792]}لا تكاد تتناهى {[7793]}قال مخاطباً لمن آمن وغيره : { وليؤمنوا بي } أي مطلق الإيمان أو{[7794]} حق الإيمان ، ثم علل ذلك بقوله : { لعلهم يرشدون * } أي ليكونوا على رجاء من الدوام على إصابة المقاصد والاهتداء إلى طريق الحق .
قال الحرالي : والرشد حسن التصرف في الأمر حساً أو معنى في {[7795]}دين أو دنيا ، ومن مقتضى{[7796]} هذه الآية{[7797]} تتفضل جميع أحوال السالكين إلى الله سبحانه وتعالى من توبة التائب من حد بعده إلى سلوك سبيل قربه إلى{[7798]} ما يؤتيه الله من وصول العبد إلى ربه - انتهى{[7799]} .