فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{سُورَةٌ أَنزَلۡنَٰهَا وَفَرَضۡنَٰهَا وَأَنزَلۡنَا فِيهَآ ءَايَٰتِۭ بَيِّنَٰتٖ لَّعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ} (1)

مقدمة السورة:

سورة النور

بسم الله الرحمن الرحيم

هي مدنية وآياتها أربع وستون آية

وبه قال ابن عباس وابن الزبير وعن عائشة مرفوعا قال : لا تنزلوهن الغرف ولا تعلموهن الكتابة يعني النساء{[1]} وعلموهن الغزل وسورة النور أخرجه البيهقي والحاكم وابن مردويه . وعن مجاهد مرفوعا قال : علموا رجالكم سورة المائدة وعلموا نساءكم سورة النور رواه البيهقي وابن المنذر وسعيد بن جبير وهو مرسل .

بسم الله الرحمان الرحيم

{ سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ( 1 ) الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ ( 2 ) الزَّانِي لَا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ( 3 ) وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ( 4 ) } .

{ سورة } هي في اللغة اسم للمنزلة الشريفة ولذلك سميت السورة من القرآن سورة ، ومنه قول زهير :

ألم تر أن الله أعطاك سورة ترى كل ملك دونها يتذبذب

أي : منزلة وقرئ بالرفع ، وفيه وجهان ، أحدهما : أن يكون خبرا لمبتدأ محذوف ، والتقدير هذه سورة ورجحه الزجاج والفراء والمبرد ، قالوا : لأنها نكرة ولا يبتدئ بها في كل موضع ، والثاني : أن يكون مبتدأ ؛ وجاز الابتداء بالنكرة لكونها موصفة بقوله :

{ أنزلناها } والخبر : الزانية والزاني والى هذا نحا ابن عطية ، والمعنى السورة المنزلة المفروضة كذا وكذا إذ السورة عبارة عن آيات مسرودة لها مبدأ ومختتم ، وهذا معنى صحيح ولا وجه لما قاله الأولون وقيل التقدير فمها أوحينا إليك سورة ورد بأن مقتضى المقام بيان شأن هذه السورة الكريمة لا بيان أن في جملة ما أوحي إلي النبي صلى الله عليه وسلم سورة شأنها كذا و كذا ، وقرىء بالنصب أي : اتل سورة أو اقرأ أو أنزلنا سورة أو دونك سورة ، قاله الزمخشري ورده أبو حيان وقيل أنزلنا الأحكام حال كونها سورة من سور القرآن .

{ وفرضناها } قرئ بالتخفيف والتشديد ، ومعنى المشدد قطعناها في الإنزال نجما نجما ، والفرض القطع والتشديد للتكثير أو للمبالغة أو لتأكيد الإيجاب أو لكثرة الفرائض فيها كالزنا والقذف اللعان والاستئذان وغض البصر وغير ذلك .

ومعنى المخفف أوحيناها وجعلناها مقطوعة ، وقيل ألزمناكم العمل بها وقيل قدرنا ما فيها من الحدود والفرض التقدير ، ومنه أن الذي فرض عليك القرآن ، وقيل بينها قاله ابن عباس ، وقيل أوجبنا ما فيها من الأحكام إيجابا قطعيا وفيه من الإيذان بغاية وكادة الفرضية ما لا يخفى .

{ وأنزلنا فيها آيات بينات } أي أنزلنا في غصونها وتضاعيفها آيات واضحة الدلالة على مدلولها و تكرير { أنزلنا } لكمال العناية بإنزال هذه السورة وشأنها لما اشتملت عليه من الأحكام المفروضة .

قال الرازي : ذكر الله في أول السورة أنواعا من الأحكام والحدود ، وفي آخرها دلائل التوحيد فقوله :

{ فرضناها } إشارة إلى الأحكام وقوله هذا إلى ما بين فيها من دلائل التوحيد ويؤيده قوله :

{ لعلكم تذكرون } فإن الأحكام لن تكن معلومة حتى نؤمر بتذكرها ، أما دلائل التوحيد ، فقد كانت كالمعلومة لهم لظهورها ، فأمروا بتذكرها ، قيل والمعنى تتعظون .


[1]:ثم بفتح الثاء أي هناك.