التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{سَمَّـٰعُونَ لِلۡكَذِبِ أَكَّـٰلُونَ لِلسُّحۡتِۚ فَإِن جَآءُوكَ فَٱحۡكُم بَيۡنَهُمۡ أَوۡ أَعۡرِضۡ عَنۡهُمۡۖ وَإِن تُعۡرِضۡ عَنۡهُمۡ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيۡـٔٗاۖ وَإِنۡ حَكَمۡتَ فَٱحۡكُم بَيۡنَهُم بِٱلۡقِسۡطِۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُقۡسِطِينَ} (42)

( 1 ) السحت : قيل إنه في الأصل بمعنى المحق والاستئصال . وقد ورد في القرآن بهذا المعنى في آية سورة طه هذه { قَالَ لَهُم مُّوسَى وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى ( 61 ) } ثم أطلق على الرشوة والمال الحرام ؛ لأنه يمحق آخذه ويستأصله .

{ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُواْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هِادُواْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُواْ وَمَن يُرِدِ اللّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللّهِ شَيْئًا أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ( 41 ) سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ ( 1 ) فَإِن جَآؤُوكَ فَاحْكُم بَيْنَهُم أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ( 42 ) وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِندَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ ( 43 ) } ( 41 – 43 ) .

في الآيات :

( 1 ) تسرية عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فلا موجب لحزنه من المنافقين الذين يزعمون أنهم مؤمنون به في حين أن قلوبهم غير مؤمنة ، ويسارعون في إظهار الكفر والجحود والشك في آية مناسبة . ولا من اليهود الذين يسمعون ويصدقون ما ينقله إليهم غيرهم من الأكاذيب ويشجعون عليها ويحرفون الكلام عن مقاصده الصحيحة ، ولا يأتون إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليسمعوا منه شفاها ويوسوسون للناس فيشيرون عليهم بقبول حكم النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا حكم بكيت وعدم قبوله إذا حكم بكيت .

( 2 ) وحملة على هؤلاء خاصة ، فإن ما يفعلونه ناشئ عن خبث نفوسهم وسوء نواياهم ، وإن الله لمخزيهم في الدنيا ولمعذبهم عذابا عظيما في الآخرة .

( 3 ) وإنهم لسماعون للكذب راضون به مشجعون عليه ، وإنهم لأكالون للمال الحرام .

( 4 ) وتخيير للنبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا جاءوا إليه ليحكم بينهم . فله أن يقضي بينهم أو يعرض عنهم ، وليس عليه من بأس إذا هو أعرض عنهم ولم يقبل أن يحكم بينهم . أما إذا رضي بالقضاء بينهم فعليه القضاء بالعدل والقسط . فإن الله يحب المقسطين الذين لا ينحرفون عن الحق في أي حال .

( 5 ) وسؤال إنكاري على سبيل التعقيب والتقريع والتعجب عن تحكيم اليهود للنبي صلى الله عليه وآله وسلم والتقاضي عنده وعندهم التوراة فيها حكم الله فيما يريدون أن يتقاضوا فيه . وعن إعراضهم عنها . وتقرير بأنهم – وهذا حالهم – لا يمكن أن يعتبروا مؤمنين بما أنزل إليهم الله .

تعليق على الآية :

{ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ }

والآيتين التاليتين لها وما فيهما من صور وتلقين

وأحكام بالنسبة لقضايا أهل الكتاب في ظل السلطان الإسلامي

قد تبدو الآيات فصلا جديدا ، ومع ذلك فإن بينها وبين الفصول السابقة تناسبا ما من حيث احتواء هذه وتلك صورا من مواقف اليهود وأخلاقهم . ومن المحتمل أن يكون هذا الفصل نزل بعد الفصول السابقة فوضع في مكانه للتناسب الظرفي والموضوعي . وإلا فيكون وضعه للتناسب الموضوعي والله أعلم .

وقد روى الطبري روايات عديدة في مناسبة نزول الآيات . منها أنها نزلت في أبي لبابة الأنصاري الذي استشاره يهود بني قريظة في أمرهم حينما حاصرهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فأشار إشارة فهموا منها أن النزول على حكم النبي صلى الله عليه وآله وسلم معناه الذبح . ومنها أنها نزلت في مناسبة طلب رجل من اليهود من حليف مسلم له أن يسأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حكم قتيل قتله ، فإذا كان الحكم بالدية تقاضى عنده وإلا فلا . ومنها أنها نزلت في عبد الله بن صوريا أحد أحبار اليهود ؛ حيث اجتمع اليهود حين قدوم النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة وكان رجل محصن منهم قد زنى بامرأة محصنة فقالوا : نسأل محمدا عن الحكم ، فإن حكم بالجلد والتحميم والتعزير يكون ملكا لا بأس علينا منه ، وإن حكم بالرجم يكون نبيا فنحذره من استلاب ما في أيدينا . فأتوه فطلب منهم أن يدلوه على أعلمهم في التوراة ، فذكروا له عبد الله بن صوريا ، فخلا به وناشده عما إذا كان يعلم أن حكم الزنا في التوراة الرجم فقال : بلى . وإنهم ليعلمون أنك نبي مرسل ولكنهم يحسدونك . فأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم برجمهما ، ولكن ابن صوريا جحد بعد ذلك ما قاله للنبي صلى الله عليه وآله وسلم . ومنها أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مر بيهودي محمم مجلود ، فدعا رجلا من علمائهم فقال : أهكذا تجدون حد الزنا ؟ قال : نعم . قال : فأنشدك بالذي أنزل التوراة أهكذا تجدونه ؟ فقال : إن الحد كان الرجم ، ولكن الزنا كثر بين اليهود وصاروا يقيمون الحد على الضعيف دون القوي والشريف ، ثم اتفقوا على تبديل الرجم في التوراة بالجلد والتحميم ( 1 ){[814]}فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : اللهم إني أول من أحيا أمرك إذا أماتوه فأمر بالزاني فرجم .

وإلى هذه الروايات فقد روى الطبري عن ابن عباس أن الآية { فَإِن جَآؤُوكَ فَاحْكُم بَيْنَهُم } إلى جملة : { الْمُقْسِطِينَ } نزلت في قضية قتيل من بني قريظة قتله بنو النضير . وكان بنو النضير يرون لأنفسهم فضلا على بني قريظة ، فإذا ما قتلوا منهم لم يقيدوا من أنفسهم ، وإنما دفعوا الدية ، وإذا قتل بنو قريظة منهم لا يقبلون إلا القود ، فأراد بنو قريظة أن يرفعوا الأمر إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويتحاكموا مع بني النضير عنده حتى يحكم لهم بالقود فقال رجل من المنافقين لبني النضير : إن محمدا قد يحكم عليهم بالقود فاحذروا ولا تقبلوا المحاكمة عنده إلا إذا عرفتم أنه يقضي بالدية فأنزل الله الآية .

وقد أورد المفسرون ما أورد الطبري . وأورد ابن كثير بالإضافة إلى ذلك رواية رواها الإمام أحمد عن ابن عباس مشابهة للرواية الأخيرة ، ولكنها تعود إلى الجاهلية ؛ حيث ذكرت ما خلاصته كسبب لنزول الآية أن طائفتين من اليهود اقتتلتا في الجاهلية فقهرت إحداهما الأخرى فاتفقتا على أن القتيل من التي قهرت يودى بمائة وسق ومن المقهورة بخمسين . وبعد قدوم النبي صلى الله عليه وآله وسلم قتلت الذليلة واحدا من العزيزة فطالبت هذه بالدية المضاعفة ، فأبت الأولى حتى كادت الحرب تقع بينهما ، ثم بدا لهما أن يتحاكما إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فدست الذليلة ناسا من المنافقين ليختبروا لهم رأي النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فإذا كان حكم كما شاؤوا تحاكموا عنده ، وإلا نكصوا فأنزل الله الآية فيهم .

وجمهور المفسرين بما فيهم الطبري يرجحون نزول الآيات في مناسبة قضية الزنا . ومنهم من قال : إن قضية الزنا وقضية القتل بين بني النضير وبني قريظة اجتمعتا معا فأنزل الله الآيات فيهما . وقد روى البخاري ومسلم وأهل السنن عن ابن عمر : ( أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أتى بيهودي ويهودية زنيا فانطلق إلى يهود فقال : ما تجدون في التوراة على من زنى ؟ قالوا : نسود وجوههما ونحملهما ونخالف بين وجوههما ويطاف بهما قال : فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين ، فأتوا بها فقرؤوها حتى إذا جاءت آية الرجم سترها الذي يقرأ بيده وقرأ ما قبلها وما بعدها فقال : عبد الله بن سلام وهو مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم : مره فليرفع يده ، فرفعها فإذا تحتها آية الرجم ، فأمر بهما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فرجما . قال ابن عمر : كنت فيمن رجمهما . ورأيت الرجل يقي المرأة من الحجارة بنفسه ) ( 1 ){[815]}وقد أورد ابن كثير هذا الحديث في سياق الآيات .

ونص الآيات صريح بأنها في صدد حادث ندد بسببه بفريق من المنافقين وفريق من اليهود وأنه كان هناك قضية يهودية أريد تحكيم النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيها ، فكانت مشاورة في صدد ذلك بين الفريقين ثم مؤامرة على حكم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقبوله إذا حكم كما يريدون وبرفضه إذا لم يحكم كذلك . وقد يتفق شيء من هذا مع الرواية التي تذكر أن يهوديا سأل حليفا له بالسؤال من النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن حكم قتيل قتله على أن يتحاكم عنده إذا كان حكمه بالدية دون القصاص كما يهوي . أو مع الروايات التي تذكر أن قسما من الآيات نزل في قتيل بني قريظة أو القتيل الذي قتلته القبيلة الذليلة من العزيزة من قبيلتي اليهود ، والآيات التالية لهذه الآيات تحتوي بيان ما كتبه الله تعالى على اليهود في التوراة من أحكام قتل النفس والدماء والجروح وليس فيها شيء عن حكم التوراة في الزنا بحيث يسوغ القول إن قضية الزنا ليس لها صلة بالآيات .

ولعلها أقحمت عليها ؛ لأنها وردت في حديث صحيح مع أن الحديث لا يذكر بأن لها صلة بالآيات أيضا . ونظم الآيات منسجم مع بعضه بحيث يبعد أن تكون نزلت متفرقة وفي مناسبات مختلفة . ولسنا نرى في رواية أبي لبابة التي انفرد بها الطبري صلة مفهومة بالآيات .

ونص الآيات يفيد أن الفريق المنافق قد نقل على لسان النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما لم يقله ، أو أن الفريق اليهودي حرف ما سمعه على لسان النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وأن الفريقين اشتركا معا في التهويش والتشويش ، وأنه كان لذلك أثر شديد محزن في نفس النبي صلى الله عليه وآله وسلم . ويلهم كذلك أن الحادث وقع في ظرف كان اليهود فيه ما يزالون في المدينة يدسون ويتآمرون مع المنافقين . وإذا صح هذا فيكون ها الفصل والفصول التي سبقته المحتوية على صور من مواقف اليهود وتاريخهم وواقعهم في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد نزلت قبل صلح الحديبية الذي للفصول الأولى من السورة صلة به كما نبهنا على ذلك من قبل . ويكون في هذا دليل على ما ذكرناه في مقدمة السورة من أن في فصول السورة ما هو متقدم في النزول متأخر في الترتيب ، وما هو عكس ذلك ، وأنها ألفت مؤخرا بعد أن تم نزول ما شاءت حكمة الله ورسوله أن تحتويه من فصول .

وأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالحكم بالقسط بين اليهود في القضايا التي يحكمونه فيها ويريد أن يحكم فيها متسق كما هو واضح مع المبادئ القرآنية المتكررة في إيجاب العدل والقسط بخاصة مع المبدأ الذي شدد عليه في الآية الثامنة من هذه السورة ، وهو عدم التأثر ببغض قوم وجعله مؤثرا في العدل معهم . والروعة والتساوق يبدوان بارزين خاصة ؛ لأن الآيات حكت مواقف تهويش وشغب مقصودة وقفها اليهود . وهذا التلقين مستمر المدى كما هو واضح .

وفي الآيات تخيير للنبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحكم بينهم إذا جاءوا إليه أو الإعراض عنهم . ولقد روى الطبري عن الشعبي وعطاء وابن جريج أن حكم الآية محكم وأن للحاكم المسلم الخيار في الحكم بين من يأتي إليه من غير المسلمين وعدم الحكم . كما روى عن مجاهد وعكرمة والحسن وقتادة أن حكمهما منسوخ بآيات أخرى من هذه السورة تأتي بعد قليل فيها أمر للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بأن يحكم بينهم بما أنزل الله ولا يتبع أهواءهم ، وأن القضاء الإسلامي هو المختص بالنظر في قضايا أهل الذمة والمعاهدين من غير المسلمين الذين يعيشون في نطاق السلطان الإسلامي .

وقد قال الطبري : إن أولى الأقوال بالصواب أن حكم الآيات ثابت لم ينسخ ، وأن للحكام الخيار في الحكم وترك الحكم والنظر ، وأن جملة : { فاحكم بينهم بما أنزل الله } في الآيات الآتية ليست للنسخ ، وإنما هي للأمر بالحكم بينهم بما أنزل الله إذا اختار أن يحكم بينهم . وقد روى البغوي عن ابن عباس قولا بالنسخ ومن الأئمة من أخذ بهذا . ومنهم من أخذ بذاك ، ولقد قال الخازن إن مذهب الشافعي على أنه يجب على حاكم المسلمين أن يحكم بين أهل الكتاب إذا تحاكموا إليه ، ونحن نرى في هذا الصواب . والله أعلم .

ويتفرع على هذا مسألة أخرى وهي كيفية حل قضايا المعاهدين والذميين فيما بينهم إذا لم يرفعوها للقضاء الإسلامي . وقد روى الطبري قولا للزهري جاء فيه : ( مضت السنة أن يردوا في حقوقهم ومواريثهم إلى أهل دينهم ) ، وهذا القول متسق مع فحوى وروح الآية الأخيرة من الآيات كما هو المتبادر ؛ حيث يفيد هذا أن للمعاهدين والذميين أن يرفعوا قضاياهم المدنية إلى رجال القضاء فيهم . وبكلمة أخرى يكون قضاؤهم هو المختص في قضاياهم إذا لم يرفعوها إلى حكام المسلمين . وهذا ما عليه الجمهور . وتظهر فيه روعة الشريعة الإسلامية في مراعاتها حرية العقيدة الدينية . فهي لا تكره أحدا على الإسلام ، ولا تكره أحدا من الذين يخضعون للسلطان الإسلامي من غير المسلمين على التقاضي إلى قضائه . وفي الآيات التالية توجيه بإيجاب أن يكون قضاؤهم مستمدا من التوراة والإنجيل على ما سوف نشرحه بعد .

وجملة : { وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِندَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللّهِ } قد تكون تضمنت قرينة على ما ضمناه في تعليقنا على كلمة التوراة في سياق الآية ( 157 ) من سورة الأعراف بأن سفر الشريعة الذي كتبه موسى واحتوى تبليغات الله ووصاياه ، والذي ذكر بعض أسفار ما بعد السبي أنه كان متداولا في أيدي اليهود قد ظل متداولا في أيديهم إلى زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وليس هو الآن في التداول فيكون قد ضاع .

هذا ، ومع ما قاله المؤولون والمفسرون من أن معنى السحت هو المال الحرام إطلاقا فإن الطبري والبغوي وغيرهما نقلوا عن مجاهد والحسن وقتادة أن الكلمة في مقام ورودها بالنسبة لليهود قد عنت الرشوة التي كان قضاة اليهود يأخذونها ليحكموا لمن يدفعها إليهم بالباطل ضد خصومهم . ولا يخلوا هذا من وجاهة مستلهمة من مقام الجملة ومدى الآيات والأسلوب الذي جاءت به قد يفيد أنه كان مستشريا بينهم على نطاق واسع وفي بعض أسفار العهد القديم وفي بعض الأناجيل تنديدات باليهود على ذلك . ولقد استطرد البغوي إلى إيراد الحديث الذي لعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيه الراشي والمرتشي وأوردناه في سياق الآية ( 188 ) من سورة البقرة فلم نر ضرورة لإعادة إيراده .


[814]:فسر الطبري التحميم بتسويد الوجه بالسخام.
[815]:التاج ج 3 ص 24.