الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{سَمَّـٰعُونَ لِلۡكَذِبِ أَكَّـٰلُونَ لِلسُّحۡتِۚ فَإِن جَآءُوكَ فَٱحۡكُم بَيۡنَهُمۡ أَوۡ أَعۡرِضۡ عَنۡهُمۡۖ وَإِن تُعۡرِضۡ عَنۡهُمۡ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيۡـٔٗاۖ وَإِنۡ حَكَمۡتَ فَٱحۡكُم بَيۡنَهُم بِٱلۡقِسۡطِۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُقۡسِطِينَ} (42)

قوله : ( سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِن جَاءُوكَ ) الآية [ 44 ] .

السحت : فيه لغتان( {[16145]} ) : إسكان الحاء( {[16146]} ) وضمها( {[16147]} ) .

وروى خارجة( {[16148]} ) عن نافع : " السَّحْت " بفتح السين وإسكان الحاء( {[16149]} ) ، جعله مصدر : " سحته سحتاً " ( {[16150]} ) .

ومعنى الآية : أن الله زاد في وصف من تقدم وصفه من اليهود أنهم ( سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ اخَرِينَ لَمْ يَاتُوكَ ) ، فذكر أيضاً أنهم ( سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ ) على التأكيد . ويجوز أن يكون الأول معناه : أنهم يسمعون " مِن " ( {[16151]} ) قول مَن يقول لهم : " محمد ليس بنبي( {[16152]} ) " ، ويقول لهم : " ليس على المحصن رجم إذا زنى/ " ، ويكون الثاني معناه : أنهم يستمعون( {[16153]} ) إليك ليكذبوا عليك –وقد قيل ذلك في معنى الأول ، وقد ذكرته( {[16154]} )- ثم وصفهم تعالى بأنهم( {[16155]} ) : ( أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ ) وهو الرّشا في الحكم .

قال قتادة والحسن : ( سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ ) هم حكام اليهود ، يسمعون الكذب ويقبلون الرشا( {[16156]} ) .

والسحت –في اللغة- : كل حرام يسحت الطاعات أي : يذهبها ، يقال : سحته( {[16157]} ) : إذا أذهبه قليلاً( {[16158]} ) ، ويقال للحالق( {[16159]} ) : " اِسْحَتْ " أي : استأصل( {[16160]} ) .

وقيل : السحت : الرشا في الأحكام ، وأكل ثمن الخمر ، وأكل ثمن الميتة ، وثمن جلدها الذي لم يُدْبَغ ، وأكل ما نهى النبي عن أكله من كل ذي ناب من السباع ، وكل ذي مخلب من الطير( {[16161]} ) . وأدخل قوم في السحت أكل ( أموال الناس )( {[16162]} ) بالباطل( {[16163]} ) .

وقوله : ( فَإِن جَاءُوكَ فَاحْكُم بَيْنَهُمُ أَوَاَعْرِضْ عَنْهُمْ ) معناه : فإن جاءك( {[16164]} ) قوم المرأة –الذين ذكر أنهم لم يأتوا( {[16165]} ) بَعْدُ- ، فاحكم بينهم إن شئت بالحق ، وإن شئت فأعرض عنهم ، أي : دع الحكم بينهم إن شئت( {[16166]} ) .

وقيل : نزلت في الدية في بني النضير( {[16167]} ) وقريظة ، كانت دية النضيري( {[16168]} ) كاملة( {[16169]} ) ، ودية القرظي( {[16170]} ) نصف دية لشرف [ النضيري ]( {[16171]} ) ، فتحاكموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فأمره الله أن يحكم بينهم بالحق ، ثم خيّره في الترك ، قاله ابن عباس( {[16172]} ) .

( و )( {[16173]} ) قال ابن زيد : كان في حكم حيي بن أخطب للنضيري( {[16174]} ) ديتان ، وللقرظي( {[16175]} ) دية ، فلما علمت [ قريظة ]( {[16176]} ) بحكم النبي قالوا : لا نرضى إلا بحكم محمد ، فخيّر الله نبيه صلى الله عليه وسلم في الحكم بينهم( {[16177]} ) .


[16145]:- "سحته وأسحته: لغتان" تفسير الطبري 10/324.
[16146]:- هي قراةء نافع وعاصم وابن عامر وحمزة في السبعة 243.
[16147]:- هي قراءة ابن كثير وأبي عمرو والكسائي في السبعة 243، "وهما لغتان" حجة ابن زنجلة 225، والكشف 1/408.
[16148]:- هو أبو الحجاج خارجة بن مصعب الضبعي السرخسي، أخذ القراءة عن نافع وأبي عمرو، وله عنهما شذوذ كثير. روى عنه ابن الفضل وغيره. توفي سنة 168هـ. انظر: الغاية 1/268.
[16149]:- انظر: السبعة 243.
[16150]:- انظر: إعراب النحاس 1/498.
[16151]:- ساقطة من ب ج د.
[16152]:- ب: نبى.
[16153]:- د: يسمعون.
[16154]:- انظر: ما ذكر قبيل تفسير قوله (يُحَرِّفُونَ الكَلِمَ) من الآية السابقة.
[16155]:- ج: بانكم.
[16156]:- وهو قول مجاهد، وابن مسعود، وعمر، وإبراهيم، والضحاك، والسدي، وابن عباس، وابن هبييرة، وعلي، وأنس أيضاً، في تفسير الطبري 10/318 وما بعدها.
[16157]:- ج: أسحته.
[16158]:- انظر: معاني الزجاج 2/177، وإعراب النحاس 1/498، والكشف 1/408.
[16159]:- ب: للخالق.
[16160]:- انظر: تفسير الطبري 10/324، وانظر: معاني الزجاج 2/177.
[16161]:- انظر: قول علي في تفسير الطبري 10/322، 323.
[16162]:- ب ج د: الأموال.
[16163]:- انظر: قول ابن مسعود وغيره في تفسير الطبري 10/319 وما بعدها.
[16164]:- ب: جاءوك.
[16165]:- ج د: يأتوك.
[16166]:- هو قول مجاهد، وابن شهاب، وابن عباس، وابن كثير في تفسير الطبري 10/325، 326.
[16167]:- ب: النظير.
[16168]:- ب: النظير في.
[16169]:- ب ج د: دية كاملة.
[16170]:- ب: القرطبي، ج: القرضي.
[16171]:- أ: النضري، ب ج: النظيري.
[16172]:- انظر: تفسير الطبري 10/326 و327.
[16173]:- ساقطة من ب ج د.
[16174]:- أ: للنضري. ب: للنظيري.
[16175]:- ب: القرطبي. ج: القريظي. د: القريطي.
[16176]:- أ: قرظية.
[16177]:- ب: نبيهم. وانظر: تفسير الطبري 10/327 و328.