الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{سَمَّـٰعُونَ لِلۡكَذِبِ أَكَّـٰلُونَ لِلسُّحۡتِۚ فَإِن جَآءُوكَ فَٱحۡكُم بَيۡنَهُمۡ أَوۡ أَعۡرِضۡ عَنۡهُمۡۖ وَإِن تُعۡرِضۡ عَنۡهُمۡ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيۡـٔٗاۖ وَإِنۡ حَكَمۡتَ فَٱحۡكُم بَيۡنَهُم بِٱلۡقِسۡطِۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُقۡسِطِينَ} (42)

{ السحت } كل ما لا يحل كسبه ، وهو من - سحته - إذا استأصله لأنه مسحوت البركة كما قال تعالى : { يَمْحَقُ الله الربا } [ البقرة : 276 ] والربا باب منه . وقرىء : «السحت » بالتخفيف والتثقيل . والسحت بفتح السين على لفظ المصدر من سحته . «والسحت » ، بفتحتين . «والسحت » ، بكسر السين . وكانوا يأخذون الرشا على الأحكام وتحليل الحرام . وعن الحسن : كان الحاكم في بني إسرائيل إذا أتاه أحدهم برشوة جعلها في كمه فأراها إياه وتكلم بحاجته فيسمع منه ولا ينظر إلى خصمه ، فيأكل الرشوة ويسمع الكذب . وحكى أن عاملاً قدم من عمله فجاءه قومه ، فقدم إليهم العراضة وجعل يحدثهم بما جرى له في عمله ، فقال أعرابي من القوم : نحن كما قال الله تعالى : { سماعون لِلْكَذِبِ أكالون لِلسُّحْتِ } وعن النبي صلى الله عليه وسلم : " كل لحم أَنبته السحت فالنار أولى به " قيل : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مخيراً - إذا تحاكم إليه أهل الكتاب - بين أن يحكم بينهم وبين أن لا يحكم . وعن عطاء والنخعي والشعبي : أنهم إذا ارتفعوا إلى حكام المسلمين ، فإن شاءوا حكموا وإن شاءوا أعرضوا . وقيل : هو منسوخ بقوله : { وَأَنِ احكم بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ الله } وعند أبي حنيفة رحمه الله : إن احتكموا إلينا حملوا على حكم الإسلام ، وإن زنى منهم رجل بمسلمة أو سرق من مسلم شيئاً أقيم عليه الحدّ . وأما أهل الحجاز فإنهم لا يرون إقامة الحدود عليهم ، يذهبون إلى أنهم قد صولحوا على شركهم وهو أعظم من الحدود . ويقولون : إنّ النبي صلى الله عليه وسلم رجم اليهوديين قبل نزول الجزية { فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْئاً } لأنهم كانوا لا يتحاكمون إليه إلا لطلب الأيسر والأهون عليهم ، كالجلد مكان الرجم . فإذا أعرض عنهم وأبى الحكومة لهم ، شقّ عليهم وتكرهوا إعراضه عنهم وكانوا خلقاء بأن يعادوه ويضاروه ، فأمن الله سربه { بالقسط } بالعدل والاحتياط كما حكم بالرجم .