{ سماعون للكذب أكالون للسحت فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئا وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين ( 42 ) وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله ثم يتولون من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين ( 43 ) }
{ سماعون للكذب } كرره تأكيدا لقبحه وليكون كالمقدمة لما بعده وهو { أكالون للسحت } وهو بضم السين وسكون الحاء المال الحرام وأصله الهلاك والشدة ، من سحته إذا أهلكه ، ومنه :
{ فيسحتكم بعذاب } ويقال للحالق اسحت أي استأصل وسمي الحرام سحتا لأنه يسحت الطاعات أي يذهبها ويسأصلها ، وقال الفراء أصله كلب الجوع ، وقيل هو الرشوة والأول أولى ، والرشوة تدخل في الحرام دخولا أوليا .
وقد فسره جماعة بنوع من أنواع الحرام خاص كالهدية لمن يقضى له حاجة أو حلوان الكاهن والتعميم أولى بالصواب . قال ابن عباس أخذوا الرشوة في الحكم وقضوا بالكذب ، وعن ابن مسعود قال السحت الرشوة في الدين ، وقل سفيان في الحكم وعن ابن عباس قال : رشوة الحكام حرام ، وهي السحت الذي ذكر الله تعالى في كتابه .
وعن علي أنه سئل عن السحت فقال : الرشى ، فقيل له في الحكم قال : ذلك الكفر ، وعن عمر قال : بابان من السحت يأكلهما الناس الرشى في الحكم ومهر الزانية ، وقد تبث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تحريم الرشوة ما هو معروف ، وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لعن الله الراشي والمرتشي في الحكم ) {[637]} ، أخرجه الترمذي وأخرجه أبو داود عن ابن عمرو بن العاص .
{ فإن جاءوك فاحكم ينهم أو أعرض عنهم } فيه تخيير لرسول الله صلى الله عليه وسلم بين الحكم بينهم والإعراض عنهم ، وقد استدل به على أن حكام المسلمين مخيرون بين الأمرين ، وقد أجمع العلماء على أنه يجب على حكام المسلمين أن يحكموا بين المسلم والذمي إذا ترافعا إليهم .
واختلفوا في أهل الذمة إذا ترافعوا فيما بينهم فذهب قوم إلى التخيير ، وبه قال الحسن والشعبي والنخعي والزهري ، وبه قال أحمد ، وذهب آخرون إلى الوجوب ، وقالوا ن هذه الآية منسوخة بقوله : { وأن أحكم بينهم بما أنزل الله } وبه قال ابن عباس وعطاء ومجاهد وعكرمة والزهري وعمر بن عبد العزيز والسدي وهو الصحيح من قولي الشافعي ، وحكاه القرطبي عن أكثر العلماء وليس في هذه السورة منسوخ إلا هذا وقوله : { ولا آمين البيت } على ما سبق .
{ و } معنى { إن تعرض عنهم } إن اخترت الإعراض عن الحكم بينهم { فلن يضروك شيئا } أي إذا عادوك لإعراضك عنهم فإن الله يعصمك من الناس ، ولا سبيل لهم عليك لأنه سبحانه حافظك وناصرك عليهم { وإن حكمت } أي اخترت الحكم بينهم { فاحكم بينهم بالقسط } أي بالعدل الذي أمرك الله به وأنزله عليك { إن الله يحب المقسطين } العادلين فيما ولوا وحكموا فيه .
وعند عبد الله بن عمرو بن العاص قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمان ، وكلتا يديه يمين ، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا ) ، أخرجه{[638]} مسلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.