جامع البيان في تفسير القرآن للإيجي - الإيجي محيي الدين  
{مَثَلُهُمۡ كَمَثَلِ ٱلَّذِي ٱسۡتَوۡقَدَ نَارٗا فَلَمَّآ أَضَآءَتۡ مَا حَوۡلَهُۥ ذَهَبَ ٱللَّهُ بِنُورِهِمۡ وَتَرَكَهُمۡ فِي ظُلُمَٰتٖ لَّا يُبۡصِرُونَ} (17)

{ مَثَلُهُمْ {[38]} كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً } : أي : حالهم كحال الذين أوقدوا ، { فَلَمَّا أَضَاءتْ } ، النار { مَا حَوْلَهُ } ، وأمنوا ما يخافون { ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ } ، المراد من إيقادها فبقوا في ظلمة وخوف ، { وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ } : جمع الظلمة لكثرتها ، ثم إن المنافقين بإظهار الإيمان أمنوا في الدنيا وإذا ماتوا عادوا إلى الظلمة والخوف ، أو المراد إيمانهم أولا ثم كفرهم ثانيا ، فيكون إذهاب النور في الدنيا كما قال تعالى : ( ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا( {[39]} ، وهذا منقول عن كثير من السلف .


[38]:ولما ذكر حقيقة وصف المنافقين عقبه بضرب المثل زيادة في الكشف والبيان لأنه يؤثر في القلوب ما لا يؤثره وصف الشيء ولأن المثل تشبيه الشيء الخفي بالجلي فيتأكد الوقوف على ماهيته وقد تقرر عند علماء البلاغة أن لضرب الأمثال شأنا عظيما في إبراز خفية المعاني ورفع أستار محجبات الدقائق ولهذا استكثر الله تعالى ذلك في كتابه العزيز وكان رسول الله صلى الله عيه وسلم يكثر من ذلك في مخاطبته ومواعظه، قال ابن جرير: وصح ضرب مثل الجماعة بالواحد كما قال تعالى: (رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت( (الأحزاب: 19)، وقال تعالى: (مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفاراً( (الجمعة: 5)
[39]:المنافقون: 3