معاني القرآن للفراء - الفراء  
{يَوۡمَ تَرَوۡنَهَا تَذۡهَلُ كُلُّ مُرۡضِعَةٍ عَمَّآ أَرۡضَعَتۡ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمۡلٍ حَمۡلَهَا وَتَرَى ٱلنَّاسَ سُكَٰرَىٰ وَمَا هُم بِسُكَٰرَىٰ وَلَٰكِنَّ عَذَابَ ٱللَّهِ شَدِيدٞ} (2)

قوله : { تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ 2 }

رفعت القراء ( كلُّ مُرْضِعَة ) لأنهم جَعَلوا الفعل لها . ولو قيل : تُذْهِل كلَّ مرضعة وأنت تريد الساعَة أنها تُذهل أَهلَها كان وجها . ولم أسمع أَحداً قرأ به والمرضعة : الأمّ . والمرضِع : التي معَها صَبىّ تُرضعه . ولو قيل في الأمّ : مرضع لأنَّ الرضاع لا يكون إلا من الإناث فيكون مثل قولك : طامث وحائض . ولو قيل في التي مَعَها صَبيّ : مرضعة كَان صَوَاباً .

وقوله : { وَتَرَى الناسَ سُكَارَى وَما هُم بِسُكَارَى } اجتمع الناس والقراء على ( سُكَارَى وما هُمْ بِسُكَارى ) حدثنا أبو العباس قال حدثنا محمد قال حدثنا الفراء قال حدثني هَشَيم عن مُغيرة عن إبراهيم عن عبد الله بن مسعود أنه قرأ ( وَتَرى الناسَ سَكْرَى وَما هُمْ بِسَكْرَى ) وهو وجه جيّد في العربية : ( لأنه بمنزلة الهَلْكى والجَرْحى ، وليسَ بمذهب النشوان والنَشاوى . والعرب تذهب بفاعل وفَعِيل وفَعِل إذا كانَ صَاحبُه كالمريض أو الصريع أو الجريح فيجمعونه على الفَعلى فجعلوا الفعلى علامةً لجمع كل ذي زمانةٍ وضررٍ وهلاكٍ . ولا يبالون أكان واحده فاعلاً أم فعيلاً أم فعلان فاختير سكرى بطرح الألف منْ هول ذلك اليوم وفزَعه . ولو قيل ( سَكْرى ) على أن الجمع يقع عليه التأنيث فيكون كالواحدة كان وجها ، كما قال الله : { وللهِ الأسْماء الحُسنَى } { والقُرونَ الأُولَى } والناسَ . جماعة فجائز أن يقع ذلكَ عليهم . وقد قالت العرب : قد جاءتك الناس : وأنشدني بعضهم :

أضحت بنو عامر غَضْبَى أنوفُهم *** أَنّى عفوت فلا عارٌ ولا باس

فقال : غضبى للأنوف على ما فسّرت لكَ .

وقد ذُكر أن بعض القراء قرأ ( وَتُرَى الناسَ ) وهو وجه جيد يريد : مثل قولك رُئِيتَ أنك قائم ورُئيتُك قائما فتجعل ( سكارى ) في موضع نصب لأن ( تُرَى ) تحتاج إلى شيئين تنصبهما . كما يحتاج الظنّ .