فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{يَوۡمَ تَرَوۡنَهَا تَذۡهَلُ كُلُّ مُرۡضِعَةٍ عَمَّآ أَرۡضَعَتۡ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمۡلٍ حَمۡلَهَا وَتَرَى ٱلنَّاسَ سُكَٰرَىٰ وَمَا هُم بِسُكَٰرَىٰ وَلَٰكِنَّ عَذَابَ ٱللَّهِ شَدِيدٞ} (2)

{ يوم ترونها } أي وقت رؤيتكم للزلزلة { تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ } أي تغفل كل ذات رضاع عن رضيعها ، قال قطرب : تذهل تشتغل ، وقيل تنسى ، وقيل : تلهو ، وقيل : تسلو ، وهذه معانيها متقاربة .

قال المبرد { ما } هنا بمعنى المصدر ، أي تذهل عن الإرضاع ، قال : وهذا يدل على أن هذه الزلزلة في الدنيا ، إذ ليس بعد القيامة حمل وإرضاع ، إلا أن يقال : إن من مات حاملا فتضع حملها للهول ، ومن ماتت مرضعة بعثت كذلك ، ويقال هذا مثل ، كما يقال : { يوما يجعل الولدان شيبا } ، وقيل يكون مع النفخة الأولى ، قال ويحتمل أن تكون الزلزلة عبارة عن أهوال يوم القيامة ، كما في قوله { مستهم البأساء والضراء وزلزلوا } .

{ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا } أي تلقي جنينها بغير تمام من شدة الهول ، كما أن المرضعة تترك ولدها بغير رضاع لذلك { وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى } قرأ الجمهور بفتح التاء والراء خطابا لكل واحد ، أي يراهم الرائي كأنهم سكارى ، وقرئ ترى بضم التاء مسندا إلى المخاطب من أرأيتك ، أي تظنهم سكارى ، قال الفراء : ولهذه وجه جيد في العربية .

{ وَمَا هُم بِسُكَارَى } حقيقة ، وقرئ سكرى بغير ألف ، وهما لغتان يجمع بهما سكران ، مثل كسلى وكسالى ، ولما نفى سبحانه عنهم السكر أوضح السبب الذي لأجله شابهوا السكارى فقال :

{ وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ } فبسبب هذه الشدة والهول العظيم طاشت عقولهم واضطربت أفهامهم فصاروا كالسكارى ، بجامع سلب كمال التمييز وصحة الإدراك وروي أنا هاتين الآيتين نزلتا في غزوة بني المصطلق ليلا فقرأهما النبي صلى الله عليه وسلم فلم ير أكثر باكيا من تلك الليلة ، قاله أبو حيان في البحر ،