الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{يَوۡمَ تَرَوۡنَهَا تَذۡهَلُ كُلُّ مُرۡضِعَةٍ عَمَّآ أَرۡضَعَتۡ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمۡلٍ حَمۡلَهَا وَتَرَى ٱلنَّاسَ سُكَٰرَىٰ وَمَا هُم بِسُكَٰرَىٰ وَلَٰكِنَّ عَذَابَ ٱللَّهِ شَدِيدٞ} (2)

{ يَوْمَ تَرَوْنَهَا } يعني الساعة { تَذْهَلُ } أي تشغل ، عن ابن عباس ، وقال الضحّاك تسلو ، ابن حيان : تنسى ، يقال : ذهلت عن كذا أي تركته واشتغلت بغيره أذهل ذهولاً ، وأذهلني الشيء إذهالاً . قال الشاعر :

صحا قلبه ياعزُّ أو كاد يذهل

{ كُلُّ مُرْضِعَةٍ } يعني ذات ولد رضيع ، والمرضع المرأة التي لها صبي ترضعه لغيرها ، هذا قول أهل الكوفة ، وقال أهل البصرة : يقال : امرأة مرضع إذا أُريد به الصفة مثل مقرب ومشرق وحامل وحائض ، فإذا أرادوا الفعل أدخلوا الهاء فقيل : مرضعة ، التي ترضع وَلَدَها .

{ وتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا } أي تسقط ولدها من هول ذلك اليوم .

{ وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى } .

قال الحسن : معناه : وترى الناس سكارى من الخوف ، ما هم بسكارى من الشراب .

وقال أهل المعاني : مجازه : وترى الناس كأنّهم سكارى ، تدل عليه قراءة أبي زرعة بن عمرو بن جرير : وتُرى الناس بضم التاء أي تظن .

وقرأ أهل الكوفة إلاّ عاصماً : سكرى وما هم سكرى بغير ألف فيهما ، وهما لغتان لجمع السكران مثل كسلى وكسالى { وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ } .

روى عمران بن حصين وأبو سعيد الخدري وغيرهما : إنَّ هاتين الآيتين نزلتا ليلاً في غزوة بني المصطلق وهم حيّ من خزاعة والناس يسيرون ، فنادى رسول الله صلى الله عليه وسلم فحثوا المطيّ حتى كانوا حول رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأهما عليهم فلم يُر أكثر باكياً من تلك الليلة ، فلمّا أصبحوا لم يحطّوا السُرُج عن الدواب ولم يضربوا الخيام ولم يطبخوا قدراً والناس من بين باك أو حاسر حزين متفكّر ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : " " أبشروا وسدّدوا وقاربوا ، فإن معكم خليقتين ما كانتا في قوم إلاّ كثّرتاه يأجوج ومأجوج " .

ثمَّ قال : إنّي لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة ، فكبّروا وحمدوا الله ، ثمَّ قال : " إنّي لأرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة ، فكبّروا وحمدوا الله ، ثمَّ قال : اني لأرجوا أن تكونوا نصف أهل الجنة فكبّروا وحمدوا الله ، ثمَّ قال : إنّي لأرجو أن تكونوا ثلثي أهل الجنّة وإنّ أهل الجنة ، مائة وعشرون صفاً ، ثمانون منها أُمّتي وما المسلمون في الكفّار إلاّ كالشامة في جنب البعير أو كالرقمة في ذراع الدابة ، بل كالشعرة السوداء في الثور الأبيض ، أو كالشعرة البيضاء في الثور الأسود ، ثمَّ قال : ويدخل من أُمتي سبعون ألفاً الجنة بغير حساب ، فقال عمر : سبعون ألفاً ؟ فقال : نعم ومع كلّ واحد سبعون ألفاّ ، فقام عكاشة بن محصن فقال : يارسول الله ادع الله اٌن يجعلني منهم ، قال : أنت منهم ، فقام رجل من الأنصار فقال : ادع الله أن يجعلني منهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم سبقك بها عكاشة " " .