تفسير مقاتل بن سليمان - مقاتل  
{يَوۡمَ تَرَوۡنَهَا تَذۡهَلُ كُلُّ مُرۡضِعَةٍ عَمَّآ أَرۡضَعَتۡ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمۡلٍ حَمۡلَهَا وَتَرَى ٱلنَّاسَ سُكَٰرَىٰ وَمَا هُم بِسُكَٰرَىٰ وَلَٰكِنَّ عَذَابَ ٱللَّهِ شَدِيدٞ} (2)

{ يوم ترونها تذهل كل مرضعة } يقول : تدع البنين لشدة الفزع من الساعة ، وذلك قبل النفخة الأولى ينادي مناد من السماء الدنيا ، يا أيها الناس ، جاء أمر الله ، فيسمع صوته أهل الأرض جميعا فيفزعون فزعا شديدا ، ويموج بعضهم في بعض ، ويشيب فيها الصغير ، ويسكر فيها الكبير ، وتضع الحوامل ما في بطونها ، وتدع المراضع البنين من الفزع الشديد ، فذلك قوله عز وجل : { يوم ترونها تذهل كل مرضعة } .

{ عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها } النساء والدواب حملها من شدة الفزع { وترى الناس سكارى } من الخوف { وما هم بسكارى } من الشراب { ولكن عذاب الله شديد } آية نزلت هاتان الآيتان ليلا والناس يسيرون في غزاة بني المصطلق ، وهم حي خزاعة ، فقرأها النبي صلى الله عليه وسلم تلك الليلة على الناس ثلاث مرات ، ثم قال : "هل تدرون أي يوم هذا ؟" قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : "هذا يوم يقول الله عز وجل لآدم عليه السلام : قم فابعث بعث النار من ذريتك ، فيقول : يا رب وما بعث النار ، قال : من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون ، إلى النار ، وواحد إلى الجنة" ، فلما سمع القوم ذلك اشتد عليهم وحزنوا ، فلما أصبحوا أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : وما توبتنا وما حيلتنا ، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم : "ابشروا فإن معكم خليقتين لم يكونا في أمة قط إلا كثرتها يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون ، ما أنتم في الناس إلا كشعرة بيضاء في ثور أسود ، أو كشعرة سوداء في ثور أبيض ، أو كالرقم في ذراع الدابة ، أو كالشامة في سنام البعير ، فابشروا وقاربوا وسددوا واعملوا .

ثم قال : "أيسركم أن تكونوا ربع أهل الجنة" ؟ قالوا : من أين لنا ذلك يا رسول الله ؟ قال : "أفيسركم أن تكونوا ثلث أهل الجنة" ؟ قالوا : من أين لنا ذلك يا رسول الله ؟ قال : "أيسركم أن تكونوا شطر أهل الجنة" ؟ قالوا : من أين لنا ذلك يا رسول الله ، قال : "فإنكم أكثر أهل الجنة ، أهل الجنة عشرون ومائة صف ، أمتي من ذلك ثمانون صفا ، وسائر أهل الجنة أربعون صفا ، ومع هؤلاء أيضا سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب مع كل رجل سبعون ألفا" .

فقالوا : من هم يا رسول الله ؟ قال : "هم لا يرقون ، ولا يسترقون ، ولا يكتون ، ولا يتطيرون ، وعلى ربهم يتوكلون" . فقام عكاشة بن محصن الأسدي ، فقال : يا رسول الله ، ادع الله أن يجعلني منهم ، قال : "فإنك منهم" ، فقام رجل آخر من رهط ابن مسعود من هذيل ، فقال : يا رسول الله ، ادع الله أن يجعلني منهم ، قال : "سبقك بها عكاشة" .