غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{يَوۡمَ تَرَوۡنَهَا تَذۡهَلُ كُلُّ مُرۡضِعَةٍ عَمَّآ أَرۡضَعَتۡ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمۡلٍ حَمۡلَهَا وَتَرَى ٱلنَّاسَ سُكَٰرَىٰ وَمَا هُم بِسُكَٰرَىٰ وَلَٰكِنَّ عَذَابَ ٱللَّهِ شَدِيدٞ} (2)

1

وانتصب { يوم ترونها } أي الزلزلة بقوله { تذهل } أي تغفل عن دهشة { كل مرضعة } وهي التي ترضع بالفعل مباشرة لإرضاع وإنما يقال لها المرضع من غيرها إذا أريد معنى أعم وهو أنه من شأنها الإرضاع بالقوة أو بالفعل كحائط وطالق . وفي هذا تصوير لهول الزلزلة كأنه بلغ مبلغاً لو ألقمت المرضعة الرضيع ثديها نزعته عن فيه لما يلحقها من الخوف . و " ما " في { عما أرضعت } مصدرية أو موصولة أي عن إرضاعها أو عن الذي أرضعته وهو الطفل . عن الحسن : تذهل المرضعة عن ولدها لغير فطام وتضع الحامل ما في بطنها لغير تمام . وإنما قال { كل ذات حمل } دون كل حامل ليكون نصاً في موضع الجنين فإن الحمل بالفتح هو ما كان في بطن أو على رأس شجرة ، والثاني خارج بدليل العقل فبقي الأول . قال القفال : ذهول المرضعة ووضع ذات الحمل حملها يحتمل أن يكون على جهة التمثيل كقوله { يوماً يجعل الولدان شيباً } [ المزمل : 17 ] { وترى الناس } أفرد بعد أن جمع لأن الزلزلة تراها الناس جميعاً ، وأما السكر الشامل للناس فإنه يراه من له أهلية الخطاب بالرؤية وقتئذ ولعله ليس إلا النبي صلى الله عليه وسلم قوله { سكارى وما هم بسكارى } أثبت السكر أولاً على وجه التشبيه فإن الخوف مدهش كالمسكر ، ونفاه ثانياً على التحقيق إذ لم يشربوا خمراً وهذه أمارة كل مجاز . روى أبو سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يقول الله عز وجل يوم القيامة : يا آدم فيقول : لبيك وسعديك . فينادي بصوت إن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثاً إلى النار . قال : يا رب وما بعث النار ؟ قال : من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون ، فحينئذ تضع الحامل حملها ويشيب الوليد وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد . فشق ذلك على الناس حتى تغيرت وجوههم فقالوا : يا رسول الله أينا ذلك الرجل ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من يأجوج ومأجوج تسعمائة وتسعة وتسعون ومنكم واحد ، أنتم في الناس كالشعرة السوداء في جنب الثور البيض أو كالشعرة البيضاء في جنب الثور الأسود " . واختلفوا في أن شدة ذلك اليوم تحصل لكل واحد أو لأهل النار خاصة فقيل : إن الفزع الأكبر يعم وغيره يختص بأهل النار وإن أهل الجنة يحشرون وهم آمنون . وقيل : تحصل للكل ولا اعتراض لأحد على الله .

/خ22