الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{يَوۡمَ تَرَوۡنَهَا تَذۡهَلُ كُلُّ مُرۡضِعَةٍ عَمَّآ أَرۡضَعَتۡ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمۡلٍ حَمۡلَهَا وَتَرَى ٱلنَّاسَ سُكَٰرَىٰ وَمَا هُم بِسُكَٰرَىٰ وَلَٰكِنَّ عَذَابَ ٱللَّهِ شَدِيدٞ} (2)

والضميرُ في { تَرَوْنَهَا } [ الحج : 2 ] .

عائِدٌ عندهم على الزلزلة ، وقوى قولهم أَنَّ الرضاع والحملَ إنما هو في الدنيا . وقالت فرقة : الزلزلة في يوم القيامة ، والضميرُ عندهم عائد على الساعة ، والذهول : الغفلة عن الشيءِ بطريانِ ما يشغل عنه من هَمِّ أَوْجَعَ أو غيره ، قال ابن زيد : المعنى : تترك وَلَدَهَا للكرب الذي نزل بها .

( ت ) : وخَرَّجَ البخاريُّ وغيرُه عن أبي سعيد الخدريِّ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( يَقُولُ اللّهُ عز وجل يَوْمَ الْقِيَامَةِ : يا آدمُ ، فَيَقُولُ : لَبَّيْكَ رَبَّنَا وَسَعْدَيْكَ ، فَيَقُولُ : أَخْرِجْ بَعْثَ النَّارِ ، قَالَ : يَا رَبِّ ، وَمَا بَعْثُ النَّارِ قَالَ : مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَمِائَةٍ وتِسْعَةً إلَى النَّارِ ، وَوَاحِداً إلى الجَنَّةِ ، فَحِينَئِذٍ تَضَعُ الحَامِلُ حَمْلَهَا ، وَيَشِيبُ الوَلِيدُ ، وَتَرَى النَّاسَ سكارى ، وَمَا هُمْ بسكارى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللّهِ شَدِيدٌ ) الحديث . انتهى .

وهذا الحديث نَصٌّ صريح في أَنه يوم القيامة ، وانظر قوله : { يَوْماً يَجْعَلُ الولدان شِيباً } [ المزمل : 17 ] ، وقوله : { وإذَا العشار عُطِّلَتْ } [ التكوير : 4 ] تجدْهُ موافقاً للحديث .

وجاء في حديث أبي هريرة فيما ذكره علي بن معبد : ( أَنَّ نَفْحَةَ الْفَزَعِ تَمْتَدُّ ، وَأَنَّ ذَلِكَ يَوْمَ الجُمُعَةِ فِي النِّصْفِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ ، فَيُسَيِّرُ اللّهُ الجِبَالَ ، فَتَمُرُّ مَرَّ السِّحَابِ ، ثُمَّ تَكُونُ سَرَاباً ، ثُمَّ تَرْتَجُّ الأَرْضُ بأَهْلِهَا رَجّاً ، وَتَضَعُ الحَوَامِلُ مَا فِي بُطُونِهَا ، وَيَشِيبُ الْوُلْدَانُ ، ويُوَلِّي النَّاسُ مُدْبِرِيْنَ ، ثُمَّ يَنْظُرُونَ إلَى السَّمَاءِ ، فَإذَا هِيَ كَالْمُهْلِ ، ثَمَّ انْشَقَّتْ ) ، ثُمَّ قَالَ النَّبي صلى الله عليه وسلم : ( وَالْمَوْتَى لاَ يَعْلَمُونَ شَيئاً مِنْ ذَلِكَ ، قُلْتُ : يَا رَسُولِ اللّهِ ، فَمَنِ اسْتَثْنَى اللّهُ عز وجل حِينَ يَقُولُ : { فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إلاَّ مَنْ شَاءَ اللّهُ } ؟ قال : أولئك هم الشهداء انتهى مختصراً .

وهذا الحديث ذكره الطبريُّ ، والثعلبي ، وصحه ابن العربي في «سراج المريدين » ، وقال عبد الحق : بل هو حديث منقطع ، لاَ يَصِحُّ ، والذي عليه المحققون أنَّ هذه الأهوال هي بعد البعث ، قاله صاحب «التذكرة » وغيره ، انتهى .

والحَمْلُ : بفتح الحاء ما كان في بطن أو على رأس شجرة .

وقوله سبحانه : { وَتَرَى الناس سكارى } [ الحج : 2 ] تشبيهاً لهم ، أي : من الهم ، ثم نفي عنهم السُّكَر الحقيقيَّ الذي هو من الخمر ، قاله الحسن وغيره ، وقرأ حمزة والكسائيُّ : «سكرى » في الموضعين ، قال سيبويه : وقوم يقولون : سكرى جعلوه مثل مرضى ، ثم جعلوا : روبى مثل سكرى ، وهم المستثقلون نوماً من شرب الرائب .