معاني القرآن للفراء - الفراء  
{فِي بُيُوتٍ أَذِنَ ٱللَّهُ أَن تُرۡفَعَ وَيُذۡكَرَ فِيهَا ٱسۡمُهُۥ يُسَبِّحُ لَهُۥ فِيهَا بِٱلۡغُدُوِّ وَٱلۡأٓصَالِ} (36)

وقوله : { يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ 36 } قرأ الناس بكسر الباء . وقرأ عاصم ( يُسَبَّحُ ) بفتح الباء . فمن قال { يسبَّح } رفع الرجال بنيَّة فعل مجدَّد . كأنه قال يُسَبِّح له رجال لا تلهيهم تجارة . ومن قال { يُسَبِّح } بالكسر جَعَله فعلاً للرجال ولم يضمر سواه .

وأما وقوله : { فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ 36 } . فإن دخول ( في ) لذكر المصباح الذي وصفه فقال : كمثل مصباح في مسجد . ولو جَعلت ( في ) لقوله { يسبّح } كان جَائزاً ، كأنه : قال في بيوت أذن الله أن ترفع يسبح له فيها رجال .

وَأما قوله { أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ } أي تبنى .

وأما قوله { وَإِقَامِ الصَّلاَةِ } فإن المصدر من ذوات الثلاثة إذا قلت : أفْعلت كقِيلك : أقمت وأجَرْت وأجبْت يقال فيه كله : إقامةً وإجارةً وإجابةً لا يسقط منه الهاء . وإنما أدخلت لأن الحرف قد سقطت منه العين ، كان ينبغي أن يقال : أقمته إقواما وإجوابا فلما سُكّنت الواوُ وبعدها ألف الإفعال فسَكّنتا سقطت الأولى منهما . فَجعلوا فيه الهاء كأنها تكثير للحرف . ومثله مما أُسْقط منه بَعْضه فجعلت فيهِ الهاء قولهم : وعدته عِدَة ووجدت في المال جِدَةٍ ، وزِنَة ودِيَة وما أشبه ذلكَ ، لما أسْقطت الواو من أوّله كُثِّر من آخره بالهاء . وإنما اسْتجيز سقوط الهاء من قوله { وَإِقَامِ الصَّلاَةِ } لإضافتهم إيّاه ، وقالوا : الخافض وما خَفَضَ بمنزلة الحرف الواحد . فلذلك أسْقطوها في الإضَافة . وقال الشاعر :

إنّ الخليط أجَدّوا البين فانجرَدُوا *** وأخلفُوك عِدَ الأمر الذي وَعَدوا

يريد عِدَة الأمر فاستجاز إسْقاط الهاء حين أضافها .