السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{فِي بُيُوتٍ أَذِنَ ٱللَّهُ أَن تُرۡفَعَ وَيُذۡكَرَ فِيهَا ٱسۡمُهُۥ يُسَبِّحُ لَهُۥ فِيهَا بِٱلۡغُدُوِّ وَٱلۡأٓصَالِ} (36)

وقوله تعالى : { في بيوت } يتعلق بما قبله أي : كمشكاة في بعض بيوت الله وهي المساجد كأنه قيل : مثل نوره ، كما ترى في المسجد نور المشكاة التي من صفتها كيت وكيت ، أو بما بعده وهو يسبح أي : يسبح رجال في بيوت ، وفي قوله : فيها تكرير لقوله : في بيوت كقوله : زيد في الدار جالس فيها ، أو بمحذوف كقوله تعالى : { في تسع آيات } [ النمل ، 12 ] أي : سبحوا في بيوت ، والبيوت هي المساجد ؛ قال سعيد بن جبير : عن ابن عباس قال : المساجد بيوت الله في الأرض ، وهي تضيء لأهل السماء كما تضيء النجوم لأهل الأرض ، وقيل : المراد بالبيوت المساجد الثلاثة ، وقيل : المراد أربعة مساجد لم يبنها إلا نبيّ ؛ الكعبة بناها إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام فجعلاها قبلة ، وبيت المقدس بناه داود وسليمان عليهما السلام ، ومسجد المدينة ، ومسجد قباء بناهما النبي صلى الله عليه وسلم وأتى فيها بجمع الكثرة دون جمع القلة للتعظيم { أذن الله أن ترفع } قال مجاهد : تبنى ، نظيره قوله تعالى : { وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت } [ البقرة ، 127 ] ، وقال الحسن : تعظم أي : فلا يذكر فيها الفحش من القول وتطهر من الأنجاس والأقذار ، وقوله تعالى : { ويذكر فيها اسمه } عام فيما يتضمن ذكره حتى المذاكرة في أفعاله ، والمباحثة في أحكامه ، وقال ابن عباس : يتلى فيها كتابه { يسبح } أي : يصلى { له فيها بالغدو والآصال } أي : بالغداة والعشي ، قال أهل التفسير : أراد به الصلوات المفروضة ، فالتي تؤدى بالغداة صلاة الفجر ، والتي تؤدى بالآصال صلاة الظهر والعصر والعشاءين ؛ لأن اسم الأصيل يقع على هذا الوقت ، وقيل : أراد به الصبح والعصر ؛ قال صلى الله عليه وسلم : «من صلى البردين دخل الجنة » ؛ أراد صلاة الصبح وصلاة العصر ، وقال ابن عباس : التسبيح بالغدو صلاة الضحى ، وروى «من مشى إلى صلاة مكتوبة وهو متطهر فأجره كأجر الحاج المحرم ، ومن مشى إلى تسبيح الضحى ، لا ينصبه إلا إياه فأجره كأجر المعتمر وصلاة على إثر صلاة لا لغو بينهما كتاب في عليين » ، وقرأ ابن عامر وشعبة بفتح الباء الموحدة والباقون بكسرها .