واختلف في قوله { فِى بُيُوتٍ أَذِنَ الله أَن تُرْفَعَ } بما هو متعلق ؛ فقيل : متعلق بما قبله : أي كمشكاة في بعض بيوت الله ، وهي المساجد ، كأنه قيل : مثل نوره كما ترى في المسجد نور المشكاة التي من صفتها كيت وكيت ، وقيل : متعلق بمصباح . وقال ابن الأنباري : سمعت أبا العباس يقول : هو حال للمصباح والزجاجة والكوكب ، كأنه قيل : وهي في بيوت ، وقيل : متعلق بتوقد : أي توقد في بيوت ، وقد قيل متعلق بما بعده ، وهو { يسبح } أي يسبح له رجال في بيوت ، وعلى هذا يكون قوله { فِيهَا } تكريراً كقولك ، زيد في الدار جالس فيها . وقيل : إنه منفصل عما قبله ، كأنه قال الله : في بيوت أذن الله أن ترفع . قال الحكيم الترمذي : وبذلك جاءت الأخبار أنه من جلس في المسجد فإنما يجالس ربه . وقد قيل على تقدير تعلقه بمشكاة ، أو بمصباح ، أو بتوقد ما الوجه في توحيد المصباح ، والمشكاة ، وجمع البيوت ؟ ولا تكون المشكاة الواحدة ، ولا المصباح الواحد إلاّ في بيت واحد . وأجيب : بأن هذا من الخطاب الذي يفتح أوّله بالتوحيد ، ويختم بالجمع كقوله سبحانه : { يأيُّهَا النبى إِذَا طَلَّقْتُمُ النساء } [ الطلاق : 1 ] ونحوه . وقيل : معنى { في بيوت } : في كلّ واحد من البيوت ، فكأنه قال : في كلّ بيت ، أو في كلّ واحد من البيوت . واختلف الناس في البيوت ، على أقوال : الأوّل أنها المساجد ، وهو قول مجاهد والحسن وغيرهما . الثاني أن المراد بها بيوت بيت المقدس ، روي ذلك عن الحسن . الثالث : أنها بيوت النبيّ صلى الله عليه وسلم ، روي عن مجاهد . الرابع : هي البيوت كلها ، قاله عكرمة . الخامس : أنها المساجد الأربعة الكعبة ، ومسجد قباء ، ومسجد المدينة ، ومسجد بيت المقدس ، قاله ابن زيد . والقول الأوّل أظهر لقوله : { يُسَبّحُ لَهُ فِيهَا بالغدو والآصال } ، والباء من بيوت تضم ، وتكسر كلّ ذلك ثابت في اللغة ، ومعنى { أَذِنَ الله أَن تُرْفَعَ } : أمر وقضى ، ومعنى { تُرْفَعَ } تبنى ، قاله مجاهد ، وعكرمة ، وغيرهما ، ومنه قوله سبحانه : { وَإِذْ يَرْفَعُ إبراهيم القواعد مِنَ البيت } [ البقرة : 127 ] . وقال الحسن البصري ، وغيره : معنى ترفع تعظم ، ويرفع شأنها ، وتطهر من الأنجاس ، والأقذار ، ورجحه الزجاج وقيل : المراد بالرفع هنا مجموع الأمرين ، ومعنى { يُذْكَرَ فِيهَا اسمه } كلّ ذكر لله عزّ وجلّ ، وقيل هو التوحيد ، وقيل : المراد تلاوة القرآن ، والأوّل أولى .
{ يُسَبّحُ لَهُ فِيهَا بالغدو والآصال رِجَالٌ } قرأ ابن عامر وأبو بكر { يسبح } بفتح الباء الموحدة مبنياً للمفعول ، وقرأ الباقون بكسرها مبنياً للفاعل إلاّ ابن وثاب ، وأبا حيوة ، فإنهما قرأ بالتاء الفوقية ، وكسر الموحدة ، فعلى القراءة الأولى يكون القائم مقام الفاعل أحد المجرورات الثلاثة ، ويكون رجال مرفوع على أحد وجهين : إما بفعل مقدّر ، وكأنه جواب سؤال مقدّر ، كأنه قيل من يسبحه ؟ فقيل يسبحه رجال . الثاني : أن رجال مرتفع على أنه خبر مبتدأ محذوف ، وعلى القراءة الثانية يكون { رجال } فاعل { يسبح } ، وعلى القراءة الثالثة يكون الفاعل أيضاً رجال ، وإنما أنث الفعل لكون جمع التكسير يعامل معاملة المؤنث في بعض الأحوال .
واختلف في هذا التسبيح ما هو ؟ فالأكثرون حملوه على الصلاة المفروضة ، قالوا : الغدوّ صلاة الصبح ، والآصال : صلاة الظهر والعصر والعشاءين ، لأن اسم الآصال يشملها ، ومعنى بالغدوّ والآصال : بالغداة والعشي وقيل : صلاة الصبح والعصر ، وقيل المراد صلاة الضحى ، وقيل : المراد بالتسبيح هنا معناه الحقيقي ، وهو تنزيه الله سبحانه عما لا يليق به في ذاته وصفاته وأفعاله ، ويؤيد هذا ذكر الصلاة والزكاة بعده ، وهذا أرجح مما قبله ، لكونه المعنى الحقيقي مع وجود دليل يدل على خلاف ما ذهب إليه الأوّلون ، وهو ما ذكرناه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.