معاني القرآن للفراء - الفراء  
{وَكَم مِّن قَرۡيَةٍ أَهۡلَكۡنَٰهَا فَجَآءَهَا بَأۡسُنَا بَيَٰتًا أَوۡ هُمۡ قَآئِلُونَ} (4)

وقوله : { وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجَاءها }

يقال : إنما أتاها البأس من قَبْل الإهلاك ، فكيف تقدم الهلاك ؟ قلت : لأن الهلاك والبأس يقعان معا ؛ كما تقول : أعطيتني فأحسنت ، فلم يكن الإحسان بعد الإعطاء ولا قبله : إنما وقعا معا ، فاستجيز ذلك . وإن شئت كان المعنى : وكم من قرية أهلكناها فكان مجيء البأس قبل الإهلاك ، فأضمرت كان . وإنما جاز ذلك على شبيه بهذا المعنى ، ولا يكون في الشروط التي خَلَفتْها بمقدّم معروف أن يقدم المؤخر أو يؤخر المقدم ؛ مثل قولك : ضربته فبكى ، وأعطيته فاستغنى ، إلا أن تدع الحروف في مواضعها . وقوله : { أَهْلَكْناها فَجَاءها } قد يكونان خبرا بالواو : أهلكناها وجاءها البأس بياتا .

وقوله : { أَوْ هُمْ قَائلُونَ }

ردّ الفعل إلى أهل القرية وقد قال في أولها ( أهلكناها ) ولم يقل : أهلكناهم فجاءهم ، ولو قيل ، كان صوابا . ولم يقل : قائلة ، ولو قيل لكان صوابا .

وقوله : { أَوْ هُمْ قَائلُونَ } واو مضمرة . المعنى أهلكناها فجاءها بأسنا بياتا أو وهم قائلون ، فاستثقلوا نسقا على نسق ، ولو قيل لكان جائزا ؛ كما تقول في الكلام : أتيتني واليا ، أو وأنا معزول ، وإن قلت : أو أنا معزول ، فأنت مضمر للواو .