الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَعۡبُدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ حَرۡفٖۖ فَإِنۡ أَصَابَهُۥ خَيۡرٌ ٱطۡمَأَنَّ بِهِۦۖ وَإِنۡ أَصَابَتۡهُ فِتۡنَةٌ ٱنقَلَبَ عَلَىٰ وَجۡهِهِۦ خَسِرَ ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةَۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡخُسۡرَانُ ٱلۡمُبِينُ} (11)

قوله : { عَلَى حَرْفٍ } : حالٌ من فاعل " يَعْبُدُ " أي : مُتَزَلْزلاً . ومعنى " على حرف " أي : على شك أو على انحرافٍ ، أو على طرفِ الدين لا في وسطه ، كالذي يكونُ في طرف العَسْكَر : إنْ رأى خيراً ثبت وإلاَّ فرَّ .

قوله : { خَسِرَ } قرأ العامَّةُ " خَسِرَ " فعلاً ماضياً . وهو يحتملُ ثلاثةَ أوجهٍ : الاستئنافَ ، والحاليةَ مِنْ فاعلِ ، " انقلبَ " ، ولا حاجةَ إلى إضمارِ " قد " على الصحيحِ ، والبدليةُ مِنْ قولِه " انقلَبَ " ، كما أبدل المضارعَ مِنْ مثِله في قوله : { يَلْقَ أَثَاماً يُضَاعَفْ } [ الفرقان : 69 ] .

وقرأ مجاهدٌ والأعرجُ وابنُ محيصن والجحدري في آخرين " خاسِرَ " بصيغة اسم فاعلٍ منصوبٍ على الحال ، وهي تؤيدُ كونَ الماضي في قراءةِ العامَّةِ حالاً . وقُرِىء برفعهِ . وفيه وجهان ، أحدُهما : أَنْ يكونَ فاعِلاً ب " انقلبَ " ويكونُ مْنْ وَضْعِ الظاهرِ مَوْضِعَ المضمرِ أي : انقلب خاسرُ الدنيا . والأصلُ : انقلبَ هو . والثاني : أنه خبرُ مبتدأ محذوفٍ أي : هو خاسرُ . وهذه القراءةُ تُؤَيِّدُ الاستئنافَ في قراءةِ المُضِيِّ على التخريج الثاني . وحَقُّ مَنْ قَرَأ " خاسر " رفعاً ونصباً أَنْ يَجُرُّ " الآخرةِ " لعطفِها على " الدنيا " المجرورِ بالإِضافةِ . ويجوز أن يبقى النصبُ فيها ؛ إذ يجوزُ أَنْ تكونَ " الدنيا " منصوبةً . وإنما حُذِفَ التنوينُ من " خاسر " لالتقاءِ الساكنين نحو قولِه :

3374 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . *** ولا ذاكرَ اللهَ إلاَّ قليلا