أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير للجزائري - أبوبكر الجزائري [إخفاء]  
{فَأَقِمۡ وَجۡهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفٗاۚ فِطۡرَتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيۡهَاۚ لَا تَبۡدِيلَ لِخَلۡقِ ٱللَّهِۚ ذَٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلۡقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ} (30)

شرح الكلمات :

{ فأقم وجهك للدين حنيفا } : أي سدد وجهك يا رسولنا للدين الإِسلامي بحيث لا تنظر إلا إِليه .

{ حنيفا } : أي مثلا عن سائر الأديان إليه ، وهو بمعنى مقبلاً عليه .

{ فطرة الله } : أي صنعة الله التي صنع عليها الإِنسان وهي قابليته للإِيمان بالله تعالى .

{ لا تبديل لخلق الله } : أي لا تعملوا على تغيير تلك القابلية للإِيمان والتوحيد فالجملة خبرية لفظاً إنشائية معنى .

{ الدين القيم } : أي المستقيم الذي لا يضل الآخذ به .

المعنى :

لما قرر تعالى عقيدة التوحيد والبعث والجزاء بالأدلة وضمن ذلك عقيدة النبوة وإثباتها للنبيّ صلى الله عليه وسلم أمر رسوله والمؤمنون تبع له فقال { فأقم وجهك للدين حنيفاً } أي أنصبوا وجوهكم أيها الرسول والمؤمنون للدين الحق دين الإِسلام القائم على مبدأ التوحيد والعمل الصالح ، فلا تلتفتوا إلى غيره من الأديان المنحرفة الباطلة . وقوله { فطرة الله التي فطر الناس عليها } أي أقيموا وجوهكم للدّين الحق الذي فطر الله الإِنسان عليه تلك الفطرة التي هي خلق الإِنسان قابلا للإِيمان والتوحيد . وقوله : { لا تبديل لخلق الله } أي لا تبدلوا تلك الخلقة ولا تغيروها بل نموها وأبرزوها بالتربية حتى ينشا الطفل على الإِيمان والتوحيد . فالجملة خبرية لفظاً إنشائية معنى نحو فهل أنتم منتهون فهي بمعنى انتهوا وهي أبلغ من انتهوا فكذا : لا تبديل أبلغ من لا تبدلوا . وقوله : { ذلك الدين القيم } أي لزوم ما فطر عليه المرء من الإِيمان بالله وتوحيده . . وإبراز ذلك في الواقع بالإِيمان بالله وبما أمر بالإِيمان به من أركان الإِيمان وبعبادة الله تعالى وهي طاعته بفعل ما يأمر به وينهى عنه مخلصاً له ذلك لا يشاركه فيه غيره من سائر مخلوقاته هو الدين القيم الذي يجب أن يكون عليه الإِنسان وقوله : { ولكن أكثر الناس لا يعلمون } يخبر تعالى بأن ما قرره من الدين القيم كما بيَّنه في الآيات أكثر الناس لا يعلمونه ولا يعرفونه وهو كما أخبر سبحانه وتعالى : وقوله { منيبين إِليه } .

الهداية :

من الهداية :

- وجوب الإِقبال على الله تعالى بعبادته والإخلاص له فيها .

- الإِسلام دين الله الذي خلق الإِنسان متأهلا له ولا يقبل منه دين غيره .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَأَقِمۡ وَجۡهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفٗاۚ فِطۡرَتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيۡهَاۚ لَا تَبۡدِيلَ لِخَلۡقِ ٱللَّهِۚ ذَٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلۡقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ} (30)

{ 30 - 32 } { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ * مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ }

يأمر تعالى بالإخلاص له في جميع الأحوال وإقامة دينه فقال : { فَأَقِمْ وَجْهَكَ } أي : انصبه ووجهه إلى الدين الذي هو الإسلام والإيمان والإحسان بأن تتوجه بقلبك وقصدك وبدنك{[651]} إلى إقامة شرائع الدين الظاهرة كالصلاة والزكاة والصوم والحج ونحوها . وشرائعه الباطنة كالمحبة والخوف والرجاء والإنابة ، والإحسان في الشرائع الظاهرة والباطنة بأن تعبد اللّه فيها كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك .

وخص اللّه إقامة الوجه لأن إقبال الوجه تبع لإقبال القلب ويترتب على الأمرين سَعْيُ البدن ولهذا قال : { حَنِيفًا } أي : مقبلا على اللّه في ذلك معرضا عما سواه .

وهذا الأمر الذي أمرناك به هو { فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا } ووضع في عقولهم حسنها واستقباح غيرها ، فإن جميع أحكام الشرع الظاهرة والباطنة قد وضع اللّه في قلوب الخلق كلهم ، الميل إليها ، فوضع في قلوبهم محبة الحق وإيثار الحق وهذا حقيقة الفطرة .

ومن خرج عن هذا الأصل فلعارض عرض لفطرته أفسدها كما قال النبي صلى اللّه عليه وسلم : " كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه "

{ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ } أي : لا أحد يبدل خلق اللّه فيجعل المخلوق على غير الوضع الذي وضعه اللّه ، { ذَلِكَ } الذي أمرنا به { الدِّينُ الْقَيِّمُ } أي : الطريق المستقيم الموصل إلى اللّه وإلى كرامته ، فإن من أقام وجهه للدين حنيفا فإنه سالك الصراط المستقيم في جميع شرائعه وطرقه ، { وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ } فلا يتعرفون الدين القيم وإن عرفوه لم يسلكوه .


[651]:- كذا في ب، وفي أ: على.