الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{فَأَقِمۡ وَجۡهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفٗاۚ فِطۡرَتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيۡهَاۚ لَا تَبۡدِيلَ لِخَلۡقِ ٱللَّهِۚ ذَٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلۡقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ} (30)

قوله تعالى : " فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها " قال الزجاج : " فطرة " منصوب بمعنى اتبع فطرة الله . قال : لأن معنى " فأقم وجهك للدين " اتبع الدين الحنيف واتبع فطرة الله . وقال الطبري : " فطرة الله " مصدر من معنى : " فأقم وجهك " لأن معنى ذلك : فطر الله الناس ذلك فطرة . وقيل : معنى ذلك اتبعوا دين الله الذي خلق الناس له ؛ وعلى هذا القول يكون الوقف على " حنيفا " تاما . وعلى القولين الأولين يكون متصلا ، فلا يوقف على " حنيفا " . وسميت الفطرة دينا لأن الناس يخلقون له ، قال جل وعز : " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون " {[12476]} [ الذاريات : 56 ] . ويقال : " عليها " بمعنى لها ، كقوله تعالى : " وإن أسأتم فلها " {[12477]} [ الإسراء : 7 ] . والخطاب ب " أقم وجهك " للنبي صلى الله عليه وسلم ، أمره بإقامة وجهه للدين المستقيم ، كما قال : " فأقم وجهك للدين القيم " {[12478]} [ الروم : 43 ] وهو دين الإسلام . وإقامة الوجه هو تقويم المقصد والقوة على الجد في أعمال الدين ، وخص الوجه بالذكر لأنه جامع حواس الإنسان وأشرفه . ودخل في هذا الخطاب أمته باتفاق من أهل التأويل . و " حنيفا " معناه معتدلا مائلا عن جميع الأديان المحرفة المنسوخة .

في الصحيح عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما من مولود إلا يولد على الفطرة - في رواية على هذه الملة - أبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء{[12479]} هل تحسون فيها من جدعاء ) ثم يقول أبو هريرة : واقرؤوا إن شئتم ، " فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله " ، وفي رواية : ( حتى تكونوا أنتم تجدعونها ) قالوا : يا رسول الله ، أفرأيت من يموت صغيرا ؟ قال : ( الله أعلم بما كانوا عاملين ) . لفظ مسلم .

واختلف العلماء في معنى الفطرة المذكورة في الكتاب والسنة على أقوال متعددة : منها الإسلام . قاله أبو هريرة وابن شهاب وغيرهما ، قالوا : وهو المعروف عند عامة السلف من أهل التأويل ، واحتجوا بالآية وحديث أبي هريرة ، وعضدوا ذلك بحديث عياض بن حمار المجاشعي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للناس يوما : ( ألا أحدثكم بما حدثني الله في كتابه ، أن الله خلق آدم وبنيه حنفاء مسلمين ، وأعطاهم المال حلالا لا حرام فيه ، فجعلوا مما أعطاهم الله حلالا وحراما . . ) الحديث . وبقوله صلى الله عليه وسلم : ( خمس من الفطرة . . . ) فذكر منها قص الشارب ، وهو من سنن الإسلام ، وعلى هذا التأويل فيكون معنى الحديث : أن الطفل خلق سليما من الكفر على الميثاق الذي أخذه الله على ذرية آدم حين أخرجهم من صلبه ، وأنهم إذا ماتوا قبل أن يدركوا في الجنة ، أولاد مسلمين كانوا أو أولاد كفار . وقال آخرون : الفطرة هي البداءة التي ابتدأهم الله عليها ، أي على ما فطر الله عليه خلقه من أنه ابتدأهم للحياة والموت والسعادة والشقاء ، وإلى ما يصيرون إليه عند البلوغ . قالوا : والفطرة في كلام العرب البداءة . والفاطر : المبتدئ ، واحتجوا بما روي عن ابن عباس أنه قال : لم أكن أدري ما فاطر السموات والأرض حتى أتى أعرابيان يختصمان في بئر ، فقال أحدهما : أنا فطرتها ، أي ابتدأتها . قال المروزي : كان أحمد بن حنبل يذهب إلى هذا القول ثم تركه . قال أبو عمر في كتاب التمهيد له : ما رسمه مالك في موطئه وذكر في باب القدر{[12480]} فيه من الآثار - يدل على أن مذهبه في ذلك نحو هذا ، والله أعلم . ومما احتجوا به ما روي عن كعب القرظي في قول الله تعالى : " فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة " [ الأعراف : 30 ] قال : من ابتدأ الله خلقه للضلالة صيره إلى الضلالة وإن عمل بأعمال الهدى ، ومن ابتدأ الله خلقه على الهدى صيره إلى الهدى وإن عمل بأعمال الضلالة ، ابتدأ الله خلق إبليس على الضلالة وعمل بأعمال السعادة مع الملائكة ، ثم رده الله إلى ما ابتدأ عليه خلقه ، قال : وكان من الكافرين .

قلت : قد مضى قول كعب هذا في " الأعراف " وجاء معناه مرفوعا من حديث عائشة رضي الله عنها قالت : دعي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنازة غلام من الأنصار . فقلت : يا رسول الله ، طوبى لهذا عصفور من عصافير الجنة ، لم يعمل السوء ولم يدركه ، قال : ( أو غير ذلك يا عائشة ، إن الله خلق للجنة أهلا خلقهم لها وهم في أصلاب أبائهم ، وخلق للنار أهلا خلقهم لها وهم في أصلاب أبائهم ) خرجه ابن ماجه في السنن . وخرج أبو عيسى الترمذي عن عبد الله بن عمرو قال : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يده كتابان فقال : ( أتدرون ما هذان الكتابان ) ؟ فقلنا : لا يا رسول الله ، إلا أن تخبرنا ، فقال للذي في يده اليمنى : ( هذا كتاب من رب العالمين فيه أسماء أهل الجنة وأسماء أبائهم وقبائلهم ، ثم أجمل على آخرهم فلا يزاد فيهم ولا ينقص منهم أبدا . ثم قال للذي في شماله - هذا كتاب من رب العالمين فيه أسماء أهل النار وأسماء أبائهم وقبائلهم ثم أجمل على آخرهم فلا يزاد فيهم ولا ينقص منهم أبدا . . . ) وذكر الحديث ، وقال فيه : حديث حسن . وقالت فرقة : ليس المراد بقوله تعالى : " فطر الناس عليها " ولا قوله عليه السلام : ( كل مولود يولد على الفطرة ) العموم ، وإنما المراد بالناس المؤمنون ؛ إذا لو فطر الجميع على الإسلام لما كفر أحد ، وقد ثبت أنه خلق أقواما للنار ، كما قال تعالى : " ولقد ذرأنا لجهنم " {[12481]} [ الأعراف : 179 ] وأخرج الذرية من صلب آدم سوداء وبيضاء . وقال في الغلام الذي قتله الخضر : طبع يوم طبع كافرا . وروى أبو سعيد الخدري قال : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر بنهار{[12482]} ، وفيه : وكان فيما حفظنا أن قال : ( ألا إن بني آدم خلقوا طبقات شتى فمنهم من يولد مؤمنا ويحيا مؤمنا ويموت مؤمنا ، ومنهم من يولد كافرا ويحيا كافرا ويموت كافرا ، ومنهم من يولد مؤمنا ويحيا مؤمنا ويموت كافرا ، ومنهم من يولد كافرا ويحيا كافرا ويموت مؤمنا ، ومنهم حسن القضاء حسن الطلب ) . ذكره حماد بن زيد بن سلمة{[12483]} في مسند الطيالسي قال : حدثنا علي بن زيد عن أبي نضرة عن أبي سعيد . قالوا : والعموم بمعنى الخصوص كثير في لسان العرب ، ألا ترى إلى قوله عز وجل : " تدمر كل شيء " {[12484]} [ الأحقاف : 25 ] ولم تدمر السموات والأرض . وقوله : " فتحنا عليهم أبواب كل شيء " {[12485]} [ الأنعام : 44 ] ولم تفتح عليهم أبواب الرحمة .

وقال إسحاق بن راهويه الحنظلي : تم الكلام عند قوله : " فأقم وجهك للدين حنيفا " ثم قال : " فطرة الله " أي فطر الله الخلق فطرة إما بجنة أو نار ، وإليه أشار النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : ( كل مولود يولد على الفطرة ) ولهذا قال : " لا تبديل لخلق الله " قال شيخنا أبو العباس : من قال هي سابقة السعادة والشقاوة ، فهذا إنما يليق بالفطرة المذكورة في القرآن ؛ لأن الله تعالى قال : " لا تبديل لخلق الله " وأما في الحديث فلا ؛ لأنه قد أخبر في بقية الحديث بأنها تبدل وتغير . وقالت طائفة من أهل الفقه والنظر : الفطرة هي الخلقة التي خلق عليها المولود في المعرفة بربه ، فكأنه قال : كل مولود يولد على خلقة يعرف بها ربه إذا بلغ مبلغ المعرفة ، يريد خلقة مخالفة لخلقة البهائم التي لا تصل بخلقتها إلى معرفته . واحتجوا على أن الفطرة الخلقة ، والفاطر الخالق ؛ لقول الله عز وجل : " الحمد لله فاطر السموات{[12486]} والأرض " [ فاطر : 1 ] يعني خالقهن ، وبقوله : " وما لي لا أعبد الذي فطرني " {[12487]} [ يس : 22 ] يعني خلقني ، وبقوله : " الذي فطرهن " {[12488]} [ الأنبياء : 56 ] يعني خلقهن . قالوا : فالفطرة الخلقة ، والفاطر الخالق ، وأنكروا أن يكون المولود يفطر على كفر أو إيمان أو معرفة أو إنكار قالوا : وإنما المولود على السلامة في الأغلب خلقة وطبعا وبنية ليس معها إيمان ولا كفر ولا إنكار ولا معرفة ، ثم يعتقدون الكفر والإيمان بعد البلوغ إذا ميزوا . واحتجوا بقوله في الحديث : ( كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء - يعني سالمة - هل تحسون فيها من جدعاء ) يعني مقطوعة الأذن . فمثل قلوب بني آدم بالبهائم لأنها تولد كاملة الخلق ليس فيها نقصان ، ثم تقطع آذانها بعد وأنوفها ، فيقال : هذه بحائر وهذه سوائب{[12489]} . يقول : فكذلك قلوب الأطفال في حين ولادتهم ليس لهم كفر ولا إيمان ، ولا معرفة ولا إنكار كالبهائم السائمة ، فلما بلغوا استهوتهم الشياطين فكفر أكثرهم ، وعصم الله أقلهم . قالوا : ولو كان الأطفال قد فطروا على شيء من الكفر والإيمان في أولية أمورهم ما انتقلوا عنه أبدا ، وقد نجدهم يؤمنون ثم يكفرون . قالوا : ويستحيل في المعقول أن يكون الطفل في حين ولادته يعقل كفرا أو إيمانا ؛ لأن الله أخرجهم في حال لا يفقهون معها شيئا ، قال الله تعالى : " والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا " {[12490]} [ النحل : 78 ] فمن لا يعلم شيئا استحال منه كفر أو إيمان ، أو معرفة أو إنكار . قال أبو عمر بن عبد البر : هذا أصح ما قيل في معنى الفطرة التي يولد الناس عليها . ومن الحجة أيضا في هذا قوله تعالى : " إنما تجزون ما كنتم تعملون " {[12491]} [ الطور : 16 ] و " كل نفس بما كسبت رهينة " {[12492]} [ المدثر : 38 ] ومن لم يبلغ وقت العمل لم يرتهن بشيء . وقال : " وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا " {[12493]} ولما أجمعوا على دفع القود والقصاص والحدود والآثام عنهم في دار الدنيا كانت الآخرة أولى بذلك . والله أعلم . ويستحيل أن تكون الفطرة المذكورة الإسلام ، كما قال ابن شهاب ؛ لأن الإسلام والإيمان : قول باللسان واعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح ، وهذا معدوم من الطفل ، لا يجهل ذلك ذو عقل . وأما قول الأوزاعي : سألت الزهري عن رجل عليه رقبة أيجزي عنه الصبي أن يعتقه وهو رضيع ؟ قال نعم ؛ لأنه ولد على الفطرة يعني الإسلام ، فإنما أجزى عتقه عند من أجازه ؛ لأن حكمه حكم أبويه . وخالفهم آخرون فقالوا : لا يجزي في الرقاب الواجبة إلا من صام وصلى ، وليس في قوله تعالى : " كما بدأكم تعودون " {[12494]} [ الأعراف : 29 ] ولا في ( أن يختم الله للعبد بما قضاه له وقدره عليه ) : دليل على أن الطفل يولد حين يولد مؤمنا أو كافرا ؛ لما شهدت له العقول أنه في ذلك الوقت ليس ممن يعقل إيمانا ولا كفرا ، والحديث الذي جاء فيه : ( أن الناس خلقوا على طبقات ) ليس من الأحاديث التي لا مطعن فيها ؛ لأنه انفرد به علي بن زيد بن جدعان ، وقد كان شعبة{[12495]} يتكلم فيه . على أنه يحتمل قوله : ( يولد مؤمنا ) أي يولد ليكون مؤمنا ، ويولد ليكون كافرا على سابق علم الله فيه ، وليس في قوله في الحديث ( خلقت هؤلاء للجنة وخلقت هؤلاء للنار ) أكثر من مراعاة ما يختم به لهم ، لا أنهم في حين طفولتهم ممن يستحق جنة أو نارا ، أو يعقل كفرا أو إيمانا .

قلت : وإلى ما اختاره أبو عمر واحتج له ، ذهب غير واحد من المحققين منهم ابن عطية في تفسيره في معنى الفطرة ، وشيخنا أبو العباس . قال ابن عطية : والذي يعتمد عليه في تفسير هذه اللفظة أنها الخلقة والهيئة التي في نفس الطفل التي هي معدة ومهيأة ؛ لأن يميز بها مصنوعات الله تعالى ، ويستدل بها على ربه ويعرف شرائعه ويؤمن به ، فكأنه تعالى قال : أقم وجهك للدين الذي هو الحنيف ، وهو فطرة الله الذي على الإعداد له فطر البشر ، لكن تعرضهم العوارض ، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه ) فذكر الأبوين إنما هو مثال للعوارض التي هي كثيرة . وقال شيخنا في عبارته : إن الله تعالى خلق قلوب بني آدم مؤهلة لقبول الحق ، كما خلق أعينهم وأسماعهم قابلة للمرئيات والمسموعات ، فما دامت باقية على ذلك القبول وعلى تلك الأهلية أدركت الحق ودين الإسلام وهو الدين الحق . وقد دل على صحة هذا المعنى قوله : ( كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء ) يعني أن البهيمة تلد ولدها كامل الخلقة سليما من الآفات ، فلو ترك على أصل تلك الخلقة لبقي كاملا بريئا من العيوب ، لكن يتصرف فيه{[12496]} فيجدع أذنه ويوسم وجهه فتطرأ عليه الآفات والنقائص فيخرج عن الأصل ، وكذلك الإنسان ، وهو تشبيه واقع ووجهه واضح .

قلت : وهذا القول مع القول الأول موافق له في المعنى ، وأن ذلك بعد الإدراك حين عقلوا أمر الدنيا ، وتأكدت حجة الله عليهم بما نصب من الآيات الظاهرة : من خلق السموات والأرض ، والشمس والقمر ، والبر والبحر ، واختلاف الليل والنهار ، فلما عملت أهواؤهم فيهم أتتهم الشياطين فدعتهم إلى اليهودية والنصرانية ، فذهبت بأهوائهم يمينا وشمالا ، وأنهم إن ماتوا صغارا فهم في الجنة ، أعني جميع الأطفال ، لأن الله تعالى لما أخرج ذرية آدم من صلبه في صورة الذر أقروا له بالربوبية وهو قوله تعالى : " وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم{[12497]} وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا{[12498]} " [ الأعراف : 172 ] . ثم أعادهم في صلب آدم بعد أن أقروا له بالربوبية ، وأنه الله لا إله غيره ، ثم يكتب العبد في بطن أمه شقيا أو سعيدا على الكتاب الأول ، فمن كان في الكتاب الأول شقيا عمر حتى يجري عليه القلم فينقض الميثاق الذي أخذ عليه في صلب آدم بالشرك ، ومن كان في الكتاب الأول سعيدا عمر حتى يجري عليه القلم فيصير سعيدا ، ومن مات صغيرا من أولاد المسلمين قبل أن يجري عليه القلم فهم مع آبائهم في الجنة ، ومن كان من أولاد المشركين فمات قبل أن يجري عليه القلم فليس يكونون مع آبائهم ؛ لأنهم ماتوا على الميثاق الأول الذي أخذ عليهم في صلب آدم ولم ينقض الميثاق ، ذهب إلى هذا جماعة من أهل التأويل ، وهو يجمع بين الأحاديث ، ويكون معنى قوله عليه السلام لما سئل عن أولاد المشركين فقال : ( الله أعلم بما كانوا عاملين ) يعني لو بلغوا . ودل على هذا التأويل أيضا حديث البخاري عن سمرة بن جندب عن النبي صلى الله عليه وسلم - الحديث الطويل حديث الرؤيا ، وفيه قول عليه السلام : ( وأما الرجل الطويل الذي في الروضة فإبراهيم عليه السلام ، وأما الولدان حوله فكل مولود يولد على الفطرة ) . قال فقيل : يا رسول الله ، وأولاد المشركين ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( وأولاد المشركين ) . وهذا نص يرفع الخلاف ، وهو أصح شيء روي في هذا الباب ، وغيره من الأحاديث فيها علل وليست من أحاديث الأئمة الفقهاء ، قاله أبو عمر بن عبد البر . وقد روي من حديث أنس قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أولاد المشركين فقال : ( لم تكن لهم حسنات فيجزوا بها فيكونوا من ملوك الجنة ، ولم تكن لهم سيئات فيعاقبوا عليها فيكونوا من أهل النار ، فهم خدم لأهل الجنة ) ذكره يحيى بن سلام في التفسير له . وقد زدنا هذه المسألة بيانا في كتاب التذكرة ، وذكرنا في كتاب المقتبس في شرح موطأ مالك بن أنس ما ذكره أبو عمر من ذلك ، والحمد لله . وذكر إسحاق بن راهويه قال : حدثنا يحيى بن آدم قال : أخبرنا جرير بن حازم عن أبي رجاء العطاردي قال : سمعت ابن عباس يقول : لا يزال أمر هذه الأمة مواتيا أو متقاربا - أو كلمة تشبه هاتين - حتى يتكلموا أو ينظروا في الأطفال والقدر . قال يحيى بن آدم فذكرته لابن المبارك فقال : أيسكت الإنسان على الجهل ؟ قلت : فتأمر بالكلام ؟ قال فسكت . وقال أبو بكر الوراق : " فطرة الله التي فطر الناس عليها " هي الفقر والفاقة ، وهذا حسن ، فإنه منذ ولد إلى حين يموت فقير محتاج ، نعم ، وفي الآخرة .

قوله تعالى : " لا تبديل لخلق الله " أي هذه الفطرة لا تبديل لها من جهة الخالق . ولا يجيء الأمر على خلاف هذا بوجه ، أي لا يشقى من خلقه سعيدا ، ولا يسعد من خلقه شقيا . وقال مجاهد : المعنى لا تبديل لدين الله ، وقاله قتادة وابن جبير والضحاك وابن زيد والنخعي ، قالوا : هذا معناه في المعتقدات . وقال عكرمة : وروي عن ابن عباس وعمر بن الخطاب أن المعنى : لا تغيير لخلق الله من البهائم أن تخصى فحولها ؛ فيكون معناه النهي عن خصاء الفحول من الحيوان . وقد مضى هذا في " النساء " {[12499]} . " ذلك الدين القيم " أي ذلك القضاء المستقيم ، قاله ابن عباس . وقال مقاتل : ذلك الحساب البين . وقيل : " ذلك الدين القيم " أي دين الإسلام هو الدين القيم المستقيم . " ولكن أكثر الناس لا يعلمون " أي لا يتفكرون فيعلمون أن لهم خالقا معبودا ، وإلها قديما سبق قضاؤه ونفذ حكمه .


[12476]:راجع ج 17 ص 55.
[12477]:راجع ج 10 ص 217.
[12478]:راجع ص 42 من هذا الجزء.
[12479]:أي سليمة من العيوب مجتمعة الأعضاء كاملتها.
[12480]:في ج، ش، ك: أبواب.
[12481]:راجع ج 7 ص 324.
[12482]:أي والشمس عالية.
[12483]:لفظة "مسلمة" ساقط من ج، ش.
[12484]:راجع ج 16 ص 205.
[12485]:راجع ج 6 ص 425.
[12486]:راجع ج 14 ص 318 فما بعد.
[12487]:راجع ج 15 ص 17.
[12488]:راجع ج 11 ص 296.
[12489]:راجع ج 6 ص 335.
[12490]:راجع ج 10 ص 151.
[12491]:راجع ج 17 ص 62 فما بعد.
[12492]:راجع ج 19 ص 82 فما بعد.
[12493]:راجع ج 10 ص 231 فما بعد.
[12494]:راجع ج 7 ص 187 فما بعد.
[12495]:لفظة " شعبة" ساقطة من ج.
[12496]:لفظة " فيه" ساقطة من ج.
[12497]:قراءة نافع، وبها كان يقرأ المؤلف.
[12498]:راجع ج 7 ص 314 فما بعد.
[12499]:راجع ج 5 ص 389 فما بعد.