الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{فَأَقِمۡ وَجۡهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفٗاۚ فِطۡرَتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيۡهَاۚ لَا تَبۡدِيلَ لِخَلۡقِ ٱللَّهِۚ ذَٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلۡقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ} (30)

{ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ } .

دين الله وهو نصب على المصدر أي فطر فطرة . ومعنى الآية : إنّ الدّين الحنيفية ، فطرة الله { الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا } وقيل : نصب على الإغراء . { لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ } لدين الله ، أي لا يصلح ذلك ولا ينبغي أن يفعل ، ظاهره نفي ومعناه نهي ، هذا قول أكثر العلماء والمفسِّرين . وقال عكرمة ومجاهد : لا تغيير لخلق الله من البهائم بالخصاء ونحوه .

أخبرنا محمد بن عبد الله بن حمدون ، عن أحمد بن محمد بن الحسن ، عن محمد بن يحيى ، عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري ، عن ابن المسيب ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كلّ مولود يولد على الفطرة فأبواه يهوّدانه أو ينصّرانه أو يمجّسانه كما تنتج البهيمة بهيمة هل تحسون فيها من جدعاء ؟ " قال : ثمّ يقول أبو هريرة : اقرأوا إن شئتم { فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا } الآية .

وأخبرني عبد الله بن حامد قال : أخبرني أبو بكر محمد بن جعفر المطيري ، عن أحمد بن عبد الله بن يزيد المؤدّب عن عبد الرزاق ، وأخبرنا أبو سعيد التاجر قال : أخبرني أبو حامد الشرقي ، وحدّثنا محمد بن يحيى وعبد الرحمن بن بشر والسلمي ، قالوا : قال عبد الرزّاق عن معمر عن همام ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلّى الله عليه قال : " ما من مولود إلاّ يولد على هذه الفطرة ، فأبواه يهوّدانه أو ينصّرانه كما تنتجون البهيمة فهل تجدون فيها من جدعاء حتّى تكونوا أنتم تجدعونها ؟ قالوا : يا رسول الله أفرأيت من يموت وهو صغير ؟ قال : الله أعلم بما كانوا عاملين " .

وقال الأسود بن سريع : غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع غزوات وأنّ قوماً تناولوا الذرّية بالقتل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

" ما بال أقوام قتلوا المقاتلة ثمّ تناولوا الذرّية ؟ " ، فقال رجل : يا رسول الله إنّما هم أولاد المشركين ، فقال صلى الله عليه وسلم : " إنّ خياركم أولاد المشركين ، والذي نفسي بيده ما من مولود إلاّ يولد على الفطرة فما يزال عليها حتّى يبيّن عنه لسانه فأبواه يهوّدانه وينصّرانه " .

وروى قتادة عن مطرف بن عبد الله بن الشخير عن عياض بن حمار المجاشعي قال : قال رسول الله صلّى الله عليه : " إنّ الله أمرني أن أعلّمكم ما جهلتم ممّا علّمني في يومي هذا وأنّه قال : إن كلّ مال نحلته عبادي فهو لهم حلال وإنّي خلقت عبادي كلّهم حنفاء فأتتهم الشياطين فاحتالتهم عن دينهم وحَرَّمتْ عليهم ما أحللتُ لهم وأَمَرتُهُم أنْ يشركوا بي ما لم أُنزّلْ به سلطاناً " وذكر الحديث .

قال أبو بكر الورّاق : فطرة الله التي فطر النّاس عليها هي الفقر والفاقة . { ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ } المستقيم { وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } .