لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{فَأَقِمۡ وَجۡهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفٗاۚ فِطۡرَتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيۡهَاۚ لَا تَبۡدِيلَ لِخَلۡقِ ٱللَّهِۚ ذَٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلۡقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ} (30)

قوله تعالى { فأقم وجهك للدين } يعني أخلص دينك لله وقيل سدد عملك والوجه ما يتوجه إلى الله تعالى به الإنسان ودينه وعمله مما يتوجه إليه ليسدده قوله تعالى { حنيفاً } أي مائلاً إليه مستقيماً عليه { فطرة الله } أي دين الله والمعنى الزموا فطرة { الله التي فطر الناس عليها } قال ابن عباس خلق الناس عليها والمراد بالفطرة الدين وهو الإسلام ( ق ) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ما من مولود إلا يولد على الفطرة ثم قال اقرؤوا { فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم } » . زاد البخاري « فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء » ثم يقول أبو هريرة : اقرؤوا فطرة الله الآية ولهما في رواية « قالوا : يا رسول الله أفرأيت من يموت صغيراً قال الله أعلم بما كانوا عاملين » . قوله : « ما من مولود يولد إلا على الفطرة » يعني على العهد الذي أخذ الله عليهم بقوله { ألست بربكم قالوا بلى } فكل مولود في العالم على ذلك الإقرار وهي الحنيفية التي وضعت الخلقة عليها وإن عبد غير الله قال الله تعالى { ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله } ولكن لا اعتبار بالإيمان الفطري في أحكام الدنيا وإنما يعتبر الإيمان الشرعي المأمور به المكتسب بالإرادة والفعل ألا ترى إلى قوله : « فأبواه يهودانه أو ينصرانه » فهو مع وجود الإيمان الفطري فإنه محكوم له بحكم أبويه الكافرين وهذا معنى قول النبيّ صلى الله عليه وسلم في حديث آخر « يقول الله عز وجل : إني خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين عن دينهم » وحكي عن عبد الله بن المبارك أنه قال : معنى الحديث أن كل مولود يولد على فطرته أي خلقته التي خلقه الله عليها في علم الله تعالى من السعادة والشقاوة فكل منهم صائر في العاقبة إلى ما فطر عليه وعامل في الدنيا بالعمل المشاكل لها فمن أمارات الشقاوة للطفل أن يولد بين يهوديين أو نصرانيين فيحملانه على اعتقاد دينهما . وقيل معناه أن كل مولود في مبدأ الخلقة على الفطرة أي على الجبلة السليمة والطبع المتهيئ لقبول الدين ، فلو ترك عليها لاستمرت على لزومها لأن هذا الدين موجود حسنه في العقول السليمة وإنما يعدل عنه من عدل إلى غيره لأنه من آفات التقليد ونحوه فمن سلم من تلك الآفات لم يعتقد غيره . ثم تمثل لأولاد اليهود والنصارى واتباعهم لآبائهم والميل إلى أديانهم فيزلون بذلك عن الفطرة السليمة والحجة المستقيمة بقوله « كما تنتج بهيمة جمعاء » . أي كما تلد البهيمة بهيمة مستوية لم يذهب من بدنها شيء وقوله « هل تحسون فيها من جدعاء يعني هل تشعرون أو تعلمون فيها من جدعاء وهي المقطوعة الأذن والأنف . قوله عز وجل { لا تبديل لخلق الله } أي لا تبدلوا دين الله وقيل معنى الآية الزموا فطرة الله ولا تبدلوا التوحيد بالشرك . وقيل معنى لا تبديل لخلق الله هو جبل عليه الإنسان من السعادة والشقاوة فلا يصير السعيد شقياً ولا الشقي سعيداً . وقيل الآية في تحريم إخصاء البهائم { ذلك الدين القيم } أي المستقيم { ولكن أكثر الناس لا يعلمون } .