وقوله تعالى : { وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لأنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ } يَحُثُّ{[2525]} تعالى على الاشتغال بما ينفعهم وتَعُودُ عليهم عاقبتُه يوم القيامة ، من إقام الصلاة وإيتاء الزكاة ، حتى يمكن لهم الله{[2526]} النصر في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد { يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ } [ غافر : 52 ] ؛ ولهذا قال تعالى : { إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } يعني : أنه تعالى لا يغفل عن عمل عامل ، ولا يضيع لديه ، سواء كان خيرًا أو شرًا ، فإنه سيجازي كل عامل بعمله .
وقال أبو جعفر بن جرير في قوله تعالى : { إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } وهذا الخبر من الله للذين خاطبهم بهذه الآيات من المؤمنين ، أنهم مهما فعلوا من خير أو شر ، سرا أو علانية ، فهو به بصير لا يخفى عليه منه شيء ، فيجزيهم بالإحسان خيرًا ، وبالإساءة مثلها . وهذا الكلام وإن كان خرج مخرج الخبر ، فإن فيه وعدًا ووعيدًا وأمرًا وزجرًا . وذلك أنه أعْلَم القوم أنه بصير بجميع أعمالهم ليجدوا في طاعته إذ كان ذلك مُدَّخرًا{[2527]} لهم عنده ، حتى يثيبهم عليه ، كما قال : { وَمَا تُقَدِّمُوا لأنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ } وليحذروا معصيته .
قال : وأما قوله : { بصير } فإنه مبصر صرف إلى " بصير " كما صرف مبدع إلى " بديع " ، ومؤلم إلى " أليم " ، والله أعلم .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زُرْعَة ، حدثنا ابن بُكَير ، حدثني ابن لَهِيعة ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن أبي الخير ، عن عقبة بن عامر ، قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفسر{[2528]} في هذه الآية { سَمِيعٌ بَصِيرٌ } يقول : بكل شيء بصير{[2529]} .
{ وَأَقِيمُواْ الصّلاَةَ وَآتُواْ الزّكَاةَ وَمَا تُقَدّمُواْ لأنْفُسِكُم مّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللّهِ إِنّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }
قال أبو جعفر : قد دللنا فيما مضى على معنى إقامة الصلاة ، وأنها أداؤها بحدودها وفروضها ، وعلى تأويل الصلاة وما أصلها ، وعلى معنى إيتاء الزكاة ، وأنه إعطاؤها بطيب نفس على ما فُرضت ووَجبت ، وعلى معنى الزكاة واختلاف المختلفين فيها ، والشواهد الدالة على صحة القول الذي اخترنا في ذلك بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .
وأما قوله : { وَما تُقَدّمُوا لأنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللّهِ } فإنه يعني جل ثناؤه بذلك : ومهما تعملوا من عمل صالح في أيام حياتكم فتقدموه قبل وفاتكم ذخرا لأنفسكم في معادكم ، تجدوا ثوابه عند ربكم يوم القيامة ، فيجازيكم به . والخير : هو العمل الذي يرضاه الله . وإنما قال : تَجِدُوهُ والمعنى : تجدوا ثوابه . كما :
حُدثت عن عمار بن الحسن . قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قوله : { تجِدُوهُ } يعني : تجدوا ثوابه عند الله .
قال أبو جعفر : لاستغناء سامعي ذلك بدليل ظاهر على معنى المراد منه ، كما قال عمر بن لجأ :
وَسَبّحَتِ المَدِينَةُ لا تَلُمْها رأتْ قَمَرا بِسُوقِهِمُ نَهَارا
وإنما أراد : وسبح أهل المدينة . وإنما أمرهم جل ثناؤه في هذا الموضع بما أمرهم به من إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وتقديم الخيرات لأنفسم ، ليطهّروا بذلك من الخطأ الذي سلف منهم في استنصاحهم اليهود ، وركون من كان ركن منهم إليهم ، وجفاء من كان جفا منهم في خطابه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله : راعِنا إذ كانت إقامة الصلوات كفارة للذنوب ، وإيتاء الزكاة تطهيرا للنفوس والأبدان من أدناس الاَثام ، وفي تقديم الخيرات إدراك الفوز برضوان الله .
القول في تأويل قوله تعالى : { إنّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير } .
وهذا خبر من الله جل ثناؤه للذين خاطبهم بهذه الاَيات من المؤمنين أنهم مهما فعلوا من خير وشرّ سِرّا وعلانية ، فهو به بصير لا يخفى عليه منه شيء ، فيجزيهم بالإحسان جزاءه وبالإساءة مثلها . وهذا الكلام وإن كان خرج مخرج الخبر ، فإن فيه وعدا ووعيدا ، وأمرا وزجرا وذلك أنه أعلم القوم أنه بصير بجميع أعمالهم ليجدّوا في طاعته ، إذ كان ذلك مذخورا لهم عنده حتى يُثيبهم عليه ، كما قال : وما تُقَدّمُوا لأِنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللّهِ وليحذروا معصيته ، إذ كان مطلعا على راكبها بعد تقدمه إليه فيها بالوعيد عليها . وما أوعد عليه ربنا جل ثناؤه فمنهيّ عنه ، وما وعد عليه فمأمور به .
وأما قوله : بَصِيرٌ فإنه مُبْصِر صرف إلى بصير ، كما صرف مُبْدِع إلى بديع ، ومُؤْلم إلى أليم .
{ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }( 110 )
قالت فرقة من الفقهاء : إن قوله تعالى : { وأقيموا الصلاة } عموم ، وقالت فرقة : هو من مجمل القرآن ، والمرجح أن ذلك عموم من وجه ومجمل من وجه ، فعموم من حيث الصلاة الدعاء ، فحمله على مقتضاه ممكن ، وخصصه الشرع بهيئات وأفعال وأقوال( {[1125]} ) ، ومجمل من حيث الأوقات ، وعدد الركعات والسجدات لا يفهم من اللفظ ، بل السامع فيه مفتقر إلى التفسير ، وهذا كله في { أقيموا الصلاة } ، وأما الزكاة فمجملة لا غير( {[1126]} ) .
قال الطبري : إنما أمر الله هنا بالصلاة والزكاة لتحط ما تقدم من ميلهم إلى أقوال اليهود { راعنا } [ البقرة : 104 ] ، لأن ذلك نهي عن نوعه ، ثم أمر المؤمنين بما يحطه( {[1127]} ) ، والخير المقدم منقض لأنه فعل ، فمعنى { تجدوه } تجدوا ثوابه وجزاءه ، وذلك بمنزلة وجوده . ( {[1128]} )
وقوله تعالى : { إن الله بما تعملون بصير } خبر في اللفظ معناه الوعد والوعيد .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.