الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَٰتِ فَٱسۡلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلٗاۚ يَخۡرُجُ مِنۢ بُطُونِهَا شَرَابٞ مُّخۡتَلِفٌ أَلۡوَٰنُهُۥ فِيهِ شِفَآءٞ لِّلنَّاسِۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لِّقَوۡمٖ يَتَفَكَّرُونَ} (69)

{ فاسلكي سبل ربك ذللا } [ 69 ] .

أي : طرق ربك ، { ذللا } أي : متذللة{[39327]} . وقال مجاهد : لا يتوعر عليها مكان سلكته{[39328]} فيكون على هذا التأويل " ذللا " حالا{[39329]} من الضمير في اسلكي{[39330]} ، وهو قول : قتادة ، لأنه قال : معناه : فاسلكي سبل ربك مطيعة{[39331]} . وقال ابن زيد : الذلول : الذي يقاد ويذهب به حيث أراد صاحبه ، قال : فهم يخرجون بالنحل ينتجعون ويذهبون وهي بينهم . ثم قرأ :

{ أو لم يروا أنا خلقنا مما عملت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون }{[39332]} . فيكون ذللا على هذا التأويل حالا من النحل . واختار الطبري أن يكون{[39333]} حالا من السبل لقربه منها{[39334]} .

وقوله : { مختلف{[39335]} ألوانه } [ 69 ] ، أي : منه أبيض وأحمر{[39336]} .

وقوله : { فيه شفاء للناس } [ 69 ] .

قال مجاهد : الهاء في فيه ل[ ل{[39337]} ] قرآن ، وقال [ ب{[39338]} ] الحسن والضحاك{[39339]} ، أي : فيما قصصنا عليك من الآيات{[39340]} شفاء للناس ، وقيل : الهاء عائدة على العسل ، قاله : قتادة{[39341]} .

وقيل " للناس " : عام يراد به الخصوص . والمعنى : لبعض الناس ، لمن قدر الله [ عز وجل{[39342]} ] له أن يشفى بالعسل{[39343]} . وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك أخبار أنه العسل{[39344]} ، وهو قول : ابن عباس{[39345]} . وقال : ابن مسعود : عليكم بالشفاءين فإن الله جعل في القرآن شفاء وفي العسل شفاء{[39346]} . وقال : " العسل شفاء من كل داء ، والقرآن شفاء لما في الصدور " {[39347]} وكان ابن عمر لا يشكو قرحة ، ولا شيئا ، إلا وجعل عليها العسل حتى الدمل إذا كان به طلاه بعسل ، /فقيل له في ذلك فقال : أليس الله [ عز وجل{[39348]} ] يقول : { فيه شفاء للناس }{[39349]} [ 69 ] .

وروي أن عوف بن مالك الأشجعي{[39350]} مرض ، فقيل له : ألا نعالجك ؟ فقال [ نعم{[39351]} ] : ايتوني بماء سماء فإن الله يقول : { ونزلنا{[39352]} من السماء ماء مباركا }{[39353]} ، وإيتوني بعسل فإن الله يقول : { فيه شفاء للناس } [ 69 ] . وايتوني بزيت فإن الله يقول : { من شجرة مباركة زيتونة }{[39354]} فجاء بذلك ، فخلطه{[39355]} جميعا [ ثم شربه{[39356]} ] فبرىء{[39357]} .

ثم قال [ تعالى{[39358]} ] { إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون } [ 69 ] .

أي : إن في إخراج العسل من أفواه النحل كما يخرج الريق من فم{[39359]} أحدكم على اختلاف مطامعها ومراعيها إذ ترعى حامضا ومرا ما لا طعم له ، ثم تهتد[ ي{[39360]} ] إلى سلوك السبل وترجع إلى بيوتها ، لدلالة وحجة لمن تفكر في ذلك فيعلم أن الله على كل شيء قدير{[39361]} ، وأن العبادة لا تكون إلا له ، لا إله إلا هو .


[39327]:انظر جامع البيان 14/139.
[39328]:انظر: تفسير مجاهد 423، وجامع البيان 14/139، والمحرر 10/207 والدر 5/144.
[39329]:ق: حال.
[39330]:انظر : معاني الفراء 2/109 وفيه أيضا أنه نعت، والمحرر 14/207.
[39331]:انظر: قول قتادة في جامع البيان 14/140، والمحرر 10/207.
[39332]:ط: "... وذللنا ها لهم" {يس}: 71. وانظر قول ابن زيد في جامع البيان 14/140، والمحرر 10/207.
[39333]:ق: تكون.
[39334]:انظر: اختيار الطبري في جامع البيان 14/140 وفيه: "غير أنا اخترنا أن يكون نعتا للسبل لأنها إليها أقرب".
[39335]:ق: مختلفا.
[39336]:وهو تفسير ابن جرير، انظر: جامع البيان 14/140.
[39337]:ساقط من ق.
[39338]:انظر : المصدر السابق.
[39339]:انظر: هذا القول في معاني الفراء 2/109، وجامع البيان 14/140 ومعاني الزجاج 3/209 والمشكل 2/19، وأحكام ابن العربي 3/1157 واستبعده، والمحرر 10/208.
[39340]:ط: الآية.
[39341]:انظر: هذا القول في معاني الفراء 2/109، وجامع البيان 14/140 ومعاني الزجاج 3/211، والمشكل 2/19، وأحكام ابن العربي 1157 ورجحه، والدر 5/144.
[39342]:ساقط من ق.
[39343]:وهو قول السدي، انظر: الدر 5/144.
[39344]:انظر: هذه الأخبار في جامع البيان 14/141، وأحكام ابن العربي 3/1157 والدر 5/144.
[39345]:انظر : هذا القول في معاني الفراء 2/109، وجامع البيان 14/140 ومعاني الزجاج 3/211، والمشكل 2/19، وأحكام ابن العربي 1157 ورجحه، والدر 5/144.
[39346]:روي قول ابن مسعود هذا مرفوعا، انظر: الدر 5/144.
[39347]:انظر: قوله في التفسير الكبير 20/75، والدر 5/144.
[39348]:ساقط من ق.
[39349]:انظر: فعل ابن عمر في أحكام ابن العربي 3/1157 والمحرر 10/207، والجامع 10/90، والدر 5/145.
[39350]:هو عوف بن مالك الأشجعي الغطفاني، صحابي من الشجعان أول مشاهد خيبر، وكانت معه راية (أشجع) يوم الفتح، نزل حمص وسكن دمشق له 67 حديثا، وتوفي سنة 73 هـ. انظر: ترجمته في الإصابة رقم 6096 والأعلام 5/96.
[39351]:ساقط من ط.
[39352]:ق: "وأنزل" وط: "انزلنا" وكلاهما خطأ.
[39353]:ق: 9.
[39354]:النور: 35.
[39355]:ق: فيخلطه.
[39356]:ساقط من ق.
[39357]:انظر هذا القول في أحكام ابن العربي 3/1157، والجامع 10/90.
[39358]:ساقط من ق.
[39359]:ط: أفواه.
[39360]:ق: "تهتد" و ط: "لتهتدي" بزيادة اللام. 18 ط: لقدير.
[39361]:?????