قوله : ( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ ) الآية [ 29 ] .
معناه : واذكر يا محمد إذ قال ربك .
وقيل : معناه : ابتدأ خلقكم ( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ )[ 30 ] لأنه ذكر معنى ذلك قبل/ هذا فقال : ( الذِي خَلَقَكُمْ وَالذِينَ مِن قَبْلِكُمْ ) [ البقرة : 21 ] أي خلقكم( {[1402]} ) إذ قال ربك( {[1403]} ) . ودخلت الواو في " إذ " عطفاً على ما قبلها لأنه تعالى ذكر خلقه نعمه( {[1404]} ) في إحيائهم بعد الموت ، وأنه [ خلق لهم( {[1405]} ) ] ما في الأرض جميعاً ، وسوى لهم السماوات وغير ذلك من نعمه فعدد على خلقه نعمه . ثم قال : واذكروا فعلي بأبيكم آدم إذ قلت للملائكة اسجدوا له تفضيلاً له وابتلاء للملائكة( {[1406]} ) . وإلى هذا المعنى ذهب الطبري( {[1407]} ) في هذه( {[1408]} ) الواو ، [ وفي و " إذا " ]( {[1409]} ) .
وقوله : ( لِلْمَلاَئِكَةِ )( {[1410]} ) ، اختلف في اشتقاق " ملك " وتقديره ومعناه( {[1411]} ) .
فقيل : واحدها مَلَكٌ ، وأصله " ملأك " على وزن " مَفْعَل " ( {[1412]} ) ، الهمزة بعد اللام وهي عين الفعل فجمع على الأصل على مفاعل ، فقيل : " مَلاَئِكٌ " وزيدت الهاء للمبالغة . وقيل لتأنيت( {[1413]} ) الصيغة( {[1414]} ) .
وقال ابن كيسان : " هو( {[1415]} ) مشتق من " ملكت " ، والهمزة في " مَلْأك " زائدة( {[1416]} ) كزيادتها في شَمْأَلٍ ، إذ هو من " شملت الريح " أي عمت( {[1417]} ) " ( {[1418]} ) .
وقال غيره( {[1419]} ) : هو مشتق من الأُلُوكَةِ ، وهي( {[1420]} ) الرسالة بالهمزة بالفعل لكن قلبت همزته وهي فاء ، فصارت عيناً( {[1421]} ) فأخرت بعد اللام وأَصْلُها " مَأْلَكٌ " ثم نقلت الهمزة بعد اللام فصارت " مَلَكاً " ، وجمع على ذلك ، ولم يرد إلى أصله وكان حقه/ أن يرده الجمع إلى أصله ، [ فخرج عن الأصل في الجمع( {[1422]} ) ] .
وقيل : هو مشتق من المَلأَكَةِ( {[1423]} ) وهي( {[1424]} ) الرسالة أيضاً حكاها أبو عبيد ، يقال : " لَأَكَ إِليهِ( {[1425]} ) يَلْأَكُ مَلْأَكَةً " إذا أرسل إليه رسالة( {[1426]} ) .
ويقال في لغة أخرى : " أَلَكْتُ إِلَيْهِ أَألْكُ مَأْلَكَةً( {[1427]} ) " إذا أرسلت( {[1428]} ) .
فعلى/ القول الأول من هذين القولين يكون " مَلَكٌ " مخفف( {[1429]} ) الهمزة( {[1430]} ) ، ألقيت حركة الهمزة على اللام وأصله " مَلْأَكٌ " ، وجمعه " مَلاَئِكَةٌ " . والهمزة عين الفعل ولا قلب فيه ، إنما فيه( {[1431]} ) في الواحد تخفيف الهمزة [ بنقل حركتها( {[1432]} ) ] إلى الساكن قبلها وهو اللام( {[1433]} ) .
وعلى القول الثاني يكون( {[1434]} ) " مَلْأَكٌ " مقلوباً وأصله : " مَأْلَكٌ " ، والهمزة فاء الفعل ، ثم قلبت الهمزة ، فصارت بعد اللام ، ثم خففت الهمزة فألقيت حركتها على اللام قبلها كالأول فصار ملكاً ، فجمع على قلبه ، ولم يرده الجمع إلى أصله لقلة استعماله بالهمز في الواحد . ولو جمع على أصله لقال : " مَآلِكَة " ، ولكن لم يسمع جمعه على الأصل .
قوله تعالى : ( إِنِّي جَاعِلٌ فِي الاَرْضِ خَلِيفَةً ) [ 29 ] .
معناه : إني جاعل في الأرض خلقاً يخلف بعضهم بعضاً لا بقاء( {[1435]} ) لهم .
وقيل : معناه : إني جاعل في الأرض خلقاً( {[1436]} ) يخلفون من كان فيها ممن هلك ، وذلك أن أهل التفسير ذكروا أنه روي أن الأرض كان فيها خلق من الجن فأفسدوا فيها فأهلكهم الله . والهاء في " خليفة " للمبالغة( {[1437]} ) .
وقيل : دخلت لأنه بمعنى داهية في المدح والذم ، بمعنى بهيمة . قاله الفراء .
وقيل : الهاء/ [ لتأنيث الصيغة( {[1438]} ) ] ، وهي بمعنى فاعلة على هذا القول كرحيم بمعنى راحم( {[1439]} ) . وعلى القول الأول يكون خليفة : فعيلة ، بمعنى مفعولة أي مخلوقة ؛ أي يخلف بعضهم بعضاً لا بقاء لهم( {[1440]} ) ، فكل واحد مخلوف ، لأن من يأتي من بعده يخلفه ، فهو كجريح وقتيل( {[1441]} ) ، بمعنى مجروح ومقتول .
قال ابن عباس( {[1442]} ) : " أخرج الله آدم صلى الله عليه وسلم من الجنة( {[1443]} ) قبل أن يخلقه ، وقرأ ( إِنِّي جَاعِلٌ فِي الاَرْضِ خَلِيفَةً )( {[1444]} ) . يريد أنه [ قَدَّرَ ذلك وعلمه وشاءه ]( {[1445]} ) قبل أن يخلق آدم .
قوله : ( قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُّفْسِدُ فِيهَا ) [ 29 ] الآية .
روى كثير من المفسرين( {[1446]} ) أن الملائكة علمت بفساد من سكن الأرض من الجن وسفكهم للدماء ، فقالوا على طريق الاسترشاد وطلب الفائدة : ( أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُّفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ ) ؛ أي أيكونون مثل أولئك الذين أفسدوا ؟ ، فسألوا مسترشدين لا منكرين ، إذ لا علم عندهم بما يكون من أمر الخليفة التي أعلمهم الله أنه خالقها( {[1447]} ) .
وقيل : إنهم قالوا ذلك/ على طريق التعجب كما تقول العرب " أتحسن إلى فلان وهو يسيء إليك( {[1448]} ) ! " .
وقيل : إن الله جَلَّ ذكره أذن لهم في السؤال عن ذلك( {[1449]} ) . وقيل : إن الله تعالى ذكره/ أعلمهم أنه يجعل في الأرض خليفة فسألوا على طريق الاسترشاد : ما يكون ذلك الخليفة ؟ فقال : تكون له ذرية يفسدون في الأرض ويسفكون الدماء . فقالوا عند ذلك على طريق الاستعظام والاستثبات لا على( {[1450]} ) طريق الإنكار : ( أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُّفْسِدُ فِيهَا ) الآية( {[1451]} ) .
[ قيل : قالوا( {[1452]} ) ] ذلك على التعجب مما أعلمهم الله به من إفساد( {[1453]} ) ذرية الخليفة في الأرض وسفكهم للدماء( {[1454]} ) .
فالألف في ( أَتَجْعَلُ ) لفظها لفظ الاستفهام ومعناها الاسترشاد أو( {[1455]} ) أو التعجب على قول من رأى ذلك على ما ذكرنا( {[1456]} ) .
وعن ابن عباس أنه قال : " كان إبليس من/ حي من أحياء الملائكة ، يقال لهم الجن وهم من الملائكة . خلق الله( {[1457]} ) ذلك الحي من نار السموم ، وخلق سائر الملائكة غير هذا الحي من نور ، وخلقت الجن غير( {[1458]} ) هذا الحي الذين( {[1459]} ) ذكروا في القرآن من مارج من نار ، والمارج هو لسان النار الذي يكون في طرفها إذا التهبت . وخلق الإنسان من طين . فأول من سكن الأرض الجن ، فأفسدوا فبعث الله إليهم إبليس في جند من الملائكة وهم هذا الحي الذين في الأرض فقتلوا وطردوا حتى لحقوا بالبحار وأطراف الجبال فلما فعل إبليس ذلك اعتدَّ في نفسه وقال : قد صنعت ما لم يصنع غيري ، وكان من خزان( {[1460]} ) الجنة . فاطلع الله على ذلك منه فقال : إني جاعل( {[1461]} ) في الأرض خليفة . فقالت الملائكة غير إبليس وحيه : أتجعل( {[1462]} ) فيها من يفسد فيها كأولئك ، على طريق الاسترشاد . أي هل يكونون( {[1463]} ) مثل أولئك المفسدين أو يكونون( {[1464]} ) مصلحين( {[1465]} ) " .
وقيل : " قالوا ذلك على طريق التعجب ، فقال الله لهم : ( إِنِّيَ أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ) ، أي إني اطلعت من قلب( {[1466]} ) إبليس على ما لم( {[1467]} ) تطّلعوا أنتم عليه . فخلق آدم صلى الله عليه وسلم من طين لازب ، واللازب اللزج( {[1468]} ) الملتصق من الحمأ المسنون ، والمسنون ذو الرائحة صار حمأ( {[1469]} ) بعد أن كان طيناً لزجاً . فلما خلقه تعالى مكث آدم( {[1470]} ) أربعين ليلة جسداً ملقى ، فكان إبليس اللعين يأتيه فيضربه برجله فيصلصل ويصوت ، فهو قول الله عز وجل : ( خَلَقَ الاِنْسَانَ مِن صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ )( {[1471]} ) . ثم كان إبليس اللعين يدخل في( {[1472]} ) في آدم [ عليه السلام( {[1473]} ) ] ويخرج من دبره ، ثم يقول( {[1474]} ) : لشيء ما خلقت ، لئن سلطت عليك لأهلكنك . فلما نفخ فيه الروح ، أتت( {[1475]} ) النفخة من قبل رأسه فلا تصل( {[1476]} ) إلى شيء إلا صار لحماً ودماً/ . فلما انتهت النفخة إلى سرته ، نظر إلى جسده فأعجبه ما رأى من حسنه( {[1477]} ) ، فذهب لينهض فلم يقدر فهو( {[1478]} ) قوله تعالى : ( وَكَانَ( {[1479]} ) الاِنْسَانُ( {[1480]} ) عَجُولاً )( {[1481]} ) و( خُلِقَ الاِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ )( {[1482]} )/ . فلما تمت النفخة في بدنه عطس ، فقال : الحمد لله رب العالمين ، بإلهام الله له . فقال له الله : يرحمك ربك يا آدم ، ثم قال الله تعالى لإبليس وحيَّه من الملائكة خاصة دون غيرهم : اسجدوا لآدم فسجدوا كلهم تكبيراً وعزة( {[1483]} ) فأبلسه( {[1484]} ) الله ، أي أيأسه من الخير كله ، وجعله شيطاناً رجيماً عقوبة له بالمعصية( {[1485]} ) ، ثم عَلَّم الله آدم الأسماء كلها( {[1486]} ) .
قال المفسرون : عَلَّمه اسم كل شيء حتى الضرطة( {[1487]} ) . وقال الله للملائكة –جند إبليس- : انبئوني بأسماء هؤلاء : فقالوا لا علم لنا . فقال يا آدم : أنبئهم بأسمائهم ، فأنبأهم آدم بأسمائهم .
وقيل : إنما عني بقوله تعالى : ( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ ) الملائكة الذين كانوا في الأرض بعد هلاك( {[1488]} ) من كان فيها دون غيرهم من ملائكة السماوات( {[1489]} ) . والله أعلم بأي ذلك كان ، واللفظ على عمومه حتى [ يأتي دليل تخصيصه ] ( {[1490]} ) .
قوله : ( وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ )[ 32 ] .
معناه : أعلم ما أسر إبليس في نفسه من الكِبَرِ والعزة . وهذا التأويل يدل على أن الخطاب الذي تقدم في قوله : ( أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُّفْسِدُ فِيهَا ) إنما كان من هذا/ النوع من الملائكة الذين حضروا مع إبليس قتال المفسدين في الأرض دون غيرهم من الملائكة وهو قول الطبري( {[1491]} ) .
وقد روي عن ابن عباس أنه قال : " إن( {[1492]} ) هذه القبيلة من الملائكة سميت الجن لأنهم كانوا من خزان الجنة( {[1493]} ) " . وهو من الاستجنان ؛ وهو الاستتار . وإنما سميت الجنة جنة لأنها( {[1494]} ) تَجن مَنْ دَخَلَها ؛ أي تستره بشجرها وثمارها وعروشها .
وروي عنه أيضاً أنه قال : " إن إبليس كان ملك سماء الدنيا ، وكان خازناً( {[1495]} ) للجنة مع ذلك . فلما تمكن دخله العجب والكبر ، وقال : لم أُعط هذا إلا ولي مزية على الملائكة . فاطلع الله على ما في سرِّه فقال : إني جاعل في الأرض خليفة ، فسألت الملائكة عن( {[1496]} ) الخليفة فقال : تفسد ذريته( {[1497]} ) في الأرض فتعجبوا وقالوا : ( أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُّفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ ) . فبعث الله جبريل ليأخذ من طين الأرض( {[1498]} ) ، فاستعاذت منه فرجع ولم يأخذ شيئاً( {[1499]} ) إجلالاً لحق من استعاذت به ، ثم بعث الله ميكائيل فاستعاذت ، فرجع ولم يأخذ شيئاً . فبعث الله ملك الموت فاستعاذت منه ، فاستعاذ هو منها ، وأخذ ما أراد من تربة( {[1500]} ) بيضاء وحمراء وسوداء ، فلذلك بنو آدم مختلفوا الألوان( {[1501]} ) " .
ثم مضى( {[1502]} ) الحديث كالأول أو قريب منه ، غير أن فيه : " فكان آدم جسداً من طين أربعين سنة ، ففزعت منه الملائكة وكان أشدهم فزعاً إبليس/ وفيه : أن آدم عليه السلام لما دخل الروح رأسه ، قال : الحمد لله . فقالت له( {[1503]} ) الملائكة/ رحمك ربك يا آدم . فلما دخل الروح في عينيه نظر إلى الجنة ، فلما دخل في جوفه اشتهى الطعام فوثب قبل أن يبلغ الروح( {[1504]} ) رجليه( {[1505]} ) " .
وهذه الرواية تدل على المخاطبين المأمورين بالسجود لآدم صلى الله عليه وسلم( {[1506]} ) هم الملائكة كلهم ، وهو ظاهر القرآن .
وقد قيل : إن معنى قوله تعالى( {[1507]} ) : ( إِنِّيَ أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ) أي أعلم أنه سيكون من ذرية( {[1508]} ) آدم آنبياء ورسل وصالحون وعباد وأخيار وساكنوا الجنة( {[1509]} ) .
قوله : ( وَنَحْنُ( {[1510]} ) نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ ) [ 29 ] .
معناه( {[1511]} ) : نعظمك بالحمد والشكر .
وقيل : التسبيح الصلاة( {[1512]} ) .
وروي( {[1513]} ) عن النبي [ عليه السلام( {[1514]} ) ] أنه قال : " إِنَّ لله( {[1515]} ) فِي السَّمَاوَاتِ السَّبْعَلاَئِكَةً يُصَلُّونَ ، وإِنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ( {[1516]} ) قَالَ لَهُ : يَا رَسُولَ الله : مَا صَلاتُهُمْ ؟ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم شَيْئاً ، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عليه السلام ، فَقَالَ لَهُ : يا نَبِيَّ الله : سَأَلَكَ عُمَرُ ( {[1517]} )عَنْ صَلاَةِ أَهْلِ السَّمَاءِ . قَالَ : نَعَمْ ، فَقال لهُ : أَقْرِئْ عَلَى عُمَرَ السَّلاَمَ وأخْبِرْهُ أنَّ أَهْلَ السَّمَاءِ( {[1518]} ) الدُّنْيَا سُجُودٌ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ يَقُولُونَ : سُبْحَانَ ذي العِزَّةِ( {[1519]} ) وَالجَبَرُوتِ ، وأَهْلِ السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ قِيَامٌ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ ، يَقُولُونَ : سُبْحَانَ( {[1520]} ) الْحَيِّ الَّذِي لاَ يَمُوتُ( {[1521]} ) " .
وأصل التسبيح لله عند العرب التنزيه والتبرئة له سبحانه من إضافة ما ليس من صفته( {[1522]} ) إليه( {[1523]} ) .
وقوله : ( وَنُقَدِّسُ لَكَ )[ 29 ] .
أصل( {[1524]} ) التقديس التطهير( {[1525]} ) . ومعناه نطهر( {[1526]} ) أنفسنا لك .
وقيل( {[1527]} ) : التقديس الصلاة . وروي ذلك عن قتادة( {[1528]} ) . وروي عن أبي صالح( {[1529]} ) . " ونقدس لك ، نعظمك ونمجدك( {[1530]} ) .
قوله : ( إِنِّيَ أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ )[ 29 ] . قد تقدم بيانه( {[1531]} ) .
وقد قيل فيه : إن معناه( {[1532]} ) إني اطلعت من قلب إبليس على ما لم تطلّعوا عليه ، إني علمت ما أضمر إبليس في نفسه من ترك السجود لآدم صلى الله عليه وسلم [ ومن ]( {[1533]} ) عداوته له ولذريته .
وقيل( {[1534]} ) : معناه إني( {[1535]} ) عليم من آدم المعصية ثم التوبة عليه/ وإهباطه إلى الأرض ، وما يكون من ذريته إلى يوم القيامة ومن هو سعيد ، ومن هو شقي منهم( {[1536]} ) .
وروي أن إبليس اللعين لما رأى صورة آدم وحسنها قال للملائكة : إني أرى صورة( {[1537]} ) مخلوق يكون له نبأ . أرأيتكم إن فضل عليكم ماذا تفعلون ؟ قالو : نطيع أمر ربنا ، ونفعل الذي يأمرنا به . فهذا قوله : ( مَا تُبْدُونَ ) .
وقال إبليس في نفسه : " لئن فُضِّل عَلَيّ لا أطيعه ، ولئن فُضِّلتُ عليه لأهلكنَّه ، وهذا قوله : ( وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ ) ، فلما نفخ الله عز وجل/ في آدم صلى الله عليه وسلم الروح جلس فعطس ، فقال آدم : الحمد لله رب العالمين فكان ذلك أول ما تكلم به آدم/ عليه السلام فردَّ الله عليه : يرحمك الله لهذا خلقتك " ، فهو قوله : ( وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ )( {[1538]} ) ، أي للرحمة خلقهم( {[1539]} ) .
وقال مجاهد : " علم الله من إبليس المعصية وخلقه لها " ( {[1540]} ) .
تم الجزء [ الأول ]( {[1541]} )