تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{لَقَدۡ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ إِذۡ بَعَثَ فِيهِمۡ رَسُولٗا مِّنۡ أَنفُسِهِمۡ يَتۡلُواْ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتِهِۦ وَيُزَكِّيهِمۡ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبۡلُ لَفِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٍ} (164)

الآية 164 وقوله تعالى{[4553]} { لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم } وجه المنة في ما بعث الرسل عليهم ( السلام ) {[4554]} من البشر ولم يرسلهم من الملائكة ولا من الجن ( في ) {[4555]} وجوه :

أحدهما : أن كل جوهر يألف بجوهره وينضم إليه ما لم يألف بجوهره غيره ولا ينضم إلى جنس آخر . فإذا كان كذلك والرسل إنما بعثوا لتأليف قلوب الخلق /78-ب/ وجمعهم والدعاء على دين يوجب الجمع{[4556]} بينهم ويدفع الاختلاف من بينهم فإذا كان ( هذا ) {[4557]} وصفنا بعثوا من جوهرهم ليبالغوا{[4558]} بهم وينضموا إليهم اعلم .

والثاني : أن الرسل لابد لهم من أن يقيموا آيات وبراهين لرسالتهم فإذا كانوا من غير جوهرهم وجنسهم لا تظهر لهم الآيات والبراهين لما يقع عندهم أنهم إنما يأتوا ذلك بطباعهم دون أن يأتوهم بغير إعطائهم إياها ذلك .

والثالث : أن ليس في وسع البشر معرفة غير جنسهم من نحو الملائكة والجن . ألا ترى أن البشر لا يرونهم ؟ فإذا كان كذلك بعثوا منهم ليعرفوهم ولتظهر لهم الحجة والله أعلم .

ثم المنة الثانية حين بعثهم من نسبهم وجنسهم لم يبعثهم من غيرهم ( تحتمل وجهين :

أحدهما ) {[4559]} : أنهم إذا بعثوا من غير قبيلتهم وجنسهم لم يظهر لهم صدقهم ولا أمانتهم في ما ادعوا من الرسالة فبعثهم منهم ليظهر صدقهم وأمانتهم كما ظهر صدقهم وأمانتهم كما ظهر صدقهم وأمانتهم في غير ذلك فيدل ذلك لهم أنهم لما لم يكذبوا بشيء قط ولا خانوا في أمانة لا يكذبون على الله تعالى .

والثاني : أنهم إذا كانوا من غير نسبهم فلعلهم إذا أتوا بآية أو براهين يقولون : إنما كان ذلك بتعليم من أحد واختلاف إلى أحد ممن يفتعل بمثل هذا بعثهم الله منهم ليعلموا ( أنهم لم{[4560]} يتعلموا ) {[4561]} من أحد ولا اختلفوا إليه{[4562]} إنهم إنما علموا ذلك بالله تعالى لا بأحد من البشر والله أعلم ألا ترى أن الله تعالى ما أتى به موسى صلوات الله عليه من الآيات من نحو العصا واليد البيضاء وغير ذلك لو كان سحرا في الحقيقة لكان من أعظم آيات رسالته ؟ لأنه لم يعرف أنه اختلف إلى أحد في تعلم السحر قط وقد نشأ بين أظهرهم فكيف و لم يكن سحرا ؟ فدل أن لله على خلقه منة عظيمة في ما بعث الرسل من نسبهم وممن نشأ بين أظهرهم للمعنى الذي وصفنا والله أعلم .

وقيل : قوله : { رسولا من أنفسهم } أي من العرب معروف النسب أميا ليعلموا أنه إنما أتى بما{[4563]} أتى سماويا وحيا ، وألا يرتابوا في رسالته وفي ما يقولوه : { ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون } الآية ( العنكبوت 48 ) .

وقوله تعالى : { يتلوا عليهم آياته } يحتمل أعلام رسالته ونبوته وتحتمل الآيات الحجج والبراهين وهما{[4564]} واحد وتحتمل الآيات{[4565]} القرآن .

وقوله تعالى : { ويزكيهم } يحتمل التزكية من الزكاة والنماء وهو أن اظهر ذكرهم وأفشى شرفهم ومذاهبهم حتى صاروا أئمة يذكرون ويقتدى{[4566]} بهم بعد موتهم كقوله تعالى : { قد أفلح من زكاها } ( الشمس 9 ) أظهرهم{[4567]} ولم يخمل ذكرهم ألا ترى أنه قال : { وقد خاب من دساها } ( الشمس 10 ) أي أخفاها وأخملها ويحتمل { ويزكيهم } أي يطهرهم بالتوحيد وقيل : { يزكيهم } أي ( يأخذ منهم ) {[4568]} الزكاة ليطهرهم .

وقوله تعالى : { ويعلمهم الكتاب والحكمة } أن ينصرف إلى وجوه وقد ذكرنا في غير موضع .

وقوله تعالى : { وإن كانوا } وقد كانوا { من قبل لفي ضلال ومبين } وقد ذكرنا الضلال أنه يتوجه على وجوه : إلى الهلاك وإلى الحيرة وإلى خمول الذكر وغيره .


[4553]:في م عز وجل.
[4555]:ساقطة من الأصل و م.
[4556]:في الأصل و م نجمع.
[4557]:ساقطة من الأصل و م.
[4558]:بالغ يبالغ مبالغة وبلاغا إذا اجتهد في الأمر انظر اللسان.
[4559]:في الأصل و م وذلك
[4560]:أدرجها قبلها في م: إذ.
[4561]:من م ساقطة من الأصل.
[4562]:في الأصل و م: فيه.
[4563]:في الأصل و م: به ما.
[4564]:الواو ساقطة مم الأصل و م.
[4565]:في الأصل و م: آيات.
[4566]:في الأصل و م:ويقتدون.
[4567]:في الأصل ظهره.
[4568]:في الأصل و م: يأخذهم.