فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{لَقَدۡ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ إِذۡ بَعَثَ فِيهِمۡ رَسُولٗا مِّنۡ أَنفُسِهِمۡ يَتۡلُواْ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتِهِۦ وَيُزَكِّيهِمۡ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبۡلُ لَفِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٍ} (164)

{ لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم } من عظيم طول الله تعالى ومنته وفضله ونعمته على أهل الإسلام الدين المرتضى أن أرسل إليهم نبيا وأن اختار هذا النبي الخاتم من ولد إسماعيل ومن العرب ، ومعنى المن ههنا الإنعام على من لا يطلب الجزاء منه والوجه في المنة إما أن يعود على أصل البعثة ، وإما أن يعود إلى بعثة هذا الرسول ، فمن الأول أن الخلق مجبولون على النقصان والجهالة والنبي يورد عليهم وجوه دلائل الكمال ويزيح عللهم في كل حال ، وأيضا إنهم وإن شهدت فطرتهم وجوه دلائل الكمال ، ويزيح عللهم في كل حال وأيضا إنهم وإن شهدت فطرتهم بوجوب خدمة مولاهم لكن لا يعرفون كيفية تلك الخدمة إلى أن يشرحها النبي صلى الله عليه وسلم لهم ، وأيضا إنهم جبلوا على الكسل والملل فهو يورد عليهم أنواع الرغبات والترهيبات فيزول فتورهم ويتجدد نشاطهم ، وبالجملة فعقول البشر بمنزلة أنوار البصر ، وعقل النبي صلى الله عليه وسلم بمنزلة نور الشمس فكذلك لا يحصل الاهتداء بمجرد العقل ما لم ينضم إليه إرشاد النبي صلى الله عليه وسلم . ومن الثاني أن هذا الرسول بعث من أنفسهم أي من جنسهم عربيا مثلهم أو من ولد إسماعيل كما أنهم من ولده . . ؛ وخص المؤمنين منهم لأنهم هم المنتفعون به ووجه المنة أنه إذا كان اللسان واحدا سهل عليهم أخذ ما يجب أخذه عنه ، وإذا كانوا واقفين على أحواله في الصدق والأمانة كان ذلك أقرب لهم إلى تصديقه ، والوثوق به وفيه أيضا شرف لهم وفخر ، كما قال { وإنه لذكر لك ولقومك . . } {[1205]} وذلك أن الافتخار بإبراهيم عليه السلام كان مشتركا فيه بين اليهود والنصارى والعرب كانوا يفتخرون بموسى وعيسى . وبالتوراة والإنجيل وما كان للعرب ما يقابل ذلك ، فلما بعث الله محمدا وأنزل القرآن صار شرف العرب بذلك زائد على شرف جميع الأمم{[1206]} .

{ يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين } وعهد ربنا جل ثناؤه نبينا أن يتلوا علينا آيات الله وأن يطهرنا ويحلي نفوسنا بكريم الخصال ويخليها عن ذميم الأقوال والأفعال { قد أفلح من زكاها }{[1207]} وأمانة تعليمنا الكتاب والسنة أداها الرسول الأمين عليه الصلوات والتسليم وورثنا أداء تلك الأمانات { قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني{[1208]} . . . } وحذر وأنذر من كتم علما أو قعد عن تبيان الحق ، أو حاد عن طريق الرشد فقال{ إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم }{[1209]} .

مما أورد النيسابوري في معنى { يزكيهم } : الإرشاد يتم بأمرين التحلية والتخلية ، فكما يجب على المعلم التنبيه على نعوت الكمال ليحظى المتعلم بها يجب عليه التحذير عن النقصان ليتحرز عنها وذلك بنحو ما يفعله النبي صلى الله عليه وسلم سوى التلاوة وتعليم الكتاب والحكمة من الوعد والإيعاد ، والوعظ والتذكير ، والتشبث بأمور الدنيا لتتقوى بها دواعيهم إلى الإيمان والعمل الصالح ولذلك مدح بأنه على خلق عظيم وأنه أوتي مكارم الأخلاق . 1ه .

{ وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين } مما نقل عن ابن إسحق : في عمياء من الجاهلية لا تعرفون حسنة ولا تستغيثون من سيئة ، صم عن الحق عمي عن الهدى . 1ه . فبعثة هذا الرسول بعد الجهل والحيرة تكون نعمة عظم موقعها ورحمة تم فضل الله بها على المؤمنين .


[1205]:من سورة الزخرف من الآية 44.
[1206]:من تفسير غرائب القرآن.
[1207]:سورة الشمس
[1208]:سورة يوسف من الآية 108.
[1209]:سورة البقرة الآيتان 159-160.